03:06 pm 06/08/2021
| رأي
| 2790
وأسفي علي زمن أصبح فيه الكذب ذكاء والعدل ضعف والطيبة غباء والتملق أخلاص والتواضع ذل والتكبر وجاهة والصدق حماقة والأدب سذاجة والوقاحة شجاعة
وما عجب تلك النفس التي في داخلنا ، فيها الغضب والحقد والحسد والغل والنصب علي الآخرين ، ولا تولد نارية ولا نوريه ولا طينية ولا روحيه ، ولكن تولد قابلة للصعود أو الهبوط ، فالنفس الإنسانية هي شيء غير الجسد، فهي ليست شيئا معلوما ، فهي سر وحقيقة مكنونة لا يظهرها إلا الابتلاء والاختبار بالمغريات الدنيا .
وأما الروح والجسد الكون الفسيح الذي تتحرك فيها تلك النفس علوا وهبوطا بحثا عن المنزلة التي تشكلها والبرج الذي يناسب سكناها ، فأنت تنصب علي الآخرين ليس لأنك الأذكى ، وليس أنك الأكفاء ، وليس الآخرين أغبياء ، ولكن لأنك الأثبت أعصابا والأقل انفعالا والأكثر ميول ما تهوي نفسك، والشر في الكون كالظل في الصورة يبدو من قريب عيبا ، فإذا ابتعدت بعينك ونظرت إلي الصورة نظرة جامعة اكتشفت أن هذا العيب هو الظل وأنه جزء مكمل للصورة
فالله لا يجبر نفسا على الشر ، ولا ينهي نفسا على فعل الخير ، ولن يقهر نفسا على غير هواها ، ولن يغير من نفس إلا إذا بادرت بالتغير وطلبت التغير، والله يخاطب "عيسي " في حديث قدسي
قائلا : ياعيسي حظ نفسك فإذا اتعظت فعظ الآخرين وإلا فاستح مني
وفى النهاية والبداية أنت لا تقابل إلا نفسك في الطريق ، إذا كنت لصا أسرعت إليك حوادث السرقة وإذا كانت قاتلا قدمت إليك الظروف الفرصة تلو الفرصة لتقتل ،من وهب نفسه للدنيا لن تعطيه الدنيا إلا قطعة أرض يدفن فيها ، ومن وهب نفسه لله سيعطيه الله جنة عرضها السموات والأرض ، وقد يظهر الإنسان على حقيقته آذ حرم مما يجب وإذا حمل ما يكره فهنا تتفاضل النفوس ، فهناك نفس تعاتب وتحتج ، وهناك نفس تسب الملة والدين وتتشاجر مع الله ومع الناس ، وهناك نفس تتعجل فتسرق وتقتل وتعتدي لتصلح حالها وتنهي حرمانها ، وهناك نفس تحمد وتشكر ولا تعترض وتفوض الأمر إلي الله
وفي اختلاف النفوس البشرية الأعاجيب في عالم الخلق لا يتساوي اثنان ولا تتشابه بصمات ، فالكلام عن المساواة في المراتب والمنازل والمصائر هو محض هذليات وبشهادة خالق النفوس أن أكثرها هالك ، والأمر المشاهد بمقلة العين وبالفعل أن أكثر النفوس تظل علي إصرارها فلا تتعظ ولا تعتبر وتظل تعاود شرورها مرة بعد مرة برغم وعدها لربها بالإقلاع والتوبة كل مرة ، ثم جاء هذا الخلق الدنيوي فوضع الله مدخلا للهوي والشهوة في هذا الإنسان ليمتحن صلابته وأيمانه ، فقمع الرغبة وردع النفس وكبح الشهوة قد تنجوا بهم ،فإذا رأيت الله يحبس عنك الدينا ويكثر عليك الشدائد فاعلم أنك عزيز عنده ، فعصيان الأمر الإلهي واستباحة الأعراف الخلقية مثل السباحة ضد التيار ونهايتها الإنهاك والتعب ثم الغرق
كاتب المقال الروائي . د. اسعد الهواري