الكاتب : د أحمد هندي |
01:40 am 11/04/2021
| رأي
| 2095
الماء سر من أسرار الحياة وهبة من الخالق للإنسان، ينتفع بها كيف يشاء.
قال تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) ( سورة الأنبياء الآية ٣٠).
فالماء أصل كل الأحياء منه وكل شئ خلق من ماء.. ومع التكاثر البشرى بلغت الكثافة السكانية فى القرن العشرين حجما لم يعرف التاريخ له مثيلا، ومع زيادة التنمية الزراعية والصناعة زاد الطلب على الماء زيادة كبيرة، مما أظهر نقصا فى المياه العذبة يتفاوت من بلد لأخر.
ويعد نهر النيل شريان الحضارة المصرية القديمة كأطول أنهار العالم، وتهطل على حوضه أمطار تبلغ جملتها ٢٠٠٠ مليار متر مكعب سنويا، وتتشاطأ على أحواض نهر النيل عشر دول هي، أثيوبيا، الكونغو، رواندا، بورندي، تنزانيا، كينيا، أوغندا، إريتريا، السودان، مصر..
وبالرغم من الأمطار الغزيرة التى تهطل فى أعاليه، فإن مايحمله مجراه لايتعدي ٧٪ من هذه الكمية المائية الضخمة، حيث يفقد النهر كميات كبيرة فى مراحله المختلفة وذلك على النحو الأتي.
منطقة السدود ١٥ مليار متر مكعب، منطقة بحر الغزال ١٤.٥ مليار متر مكعب، مستنقعات مشار ٤ مليار متر مكعب، منطقة الخيران الشرقية ٢.٥ مليار متر مكعب، ليكون إجمالي الفاقد من مياه النيل ٣٦ مليار متر مكعب.
القادم من بحيرات وسط أفريقيا يتحول من تيار جارف إلى سلسلة متفرقة من الأحواض والبحيرات الضحلة، مما يؤدي لفقدان كميات كبيرة من المياه بالتبخر، وفى قلب منطقة السدود مستنقع دائم مساحته ٩٥٠٠ كيلو متر مربع، ويتكون حوض نهر النيل الرئيسي من حوضين فرعيين هما حوض النيل الأبيض الذي ينبع من الهضبة الأستوائية، وحوض النيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الأثيوبية، والنهران يلتقيان فى مدينة الخرطوم السودانية، ويسير النيل متجها شمالا نحو البحر الأبيض المتوسط في مصر..
ويبلغ أجمالي المياه الواردة من الهضبة الأثيوبية ٨٥ ٪ من مياه النيل، فدول المنابع الأكثر حظاً من حيث البدائل المائية للنيل، أما دولة المصب مصر فهي الأقل حظاً من حيث البدائل المائية لنهر النيل.
وبين الحين والآخر يبرز النزاع بين دولتي المصب مصر والسودان الملتزمتين بأتفاقية ١٩٥٩ بشأن مياه النيل، وبين دولة أثيوبيا التى لاتعترف بالأتفاقية، كما لاتعترف بالأتفاقيات السابقة لها وتعتبرها غير ملزمة لها.!
وتستند أثيوبيا في ذلك إلى مقولة المهندس الأمريكي هارسون الذى قال بأن الأسبق جغرافيا هو الأحق، وأن دولة المنابع صاحبة سيادة مطلقة على مواردها الطبيعية ومنها المياه. بالأضافة إلى أن التطور التكنولوجي للسدود يسمح لها في نقل المياه وأستغلالها للإنتاج الكهرومائي، وقد ترتب على ذلك أزمة بين دولتي المصب مصر والسودان ودولة المنبع أثيوبيا، والأضرار بمصالح مصر بصفة خاصة، بالرغم من أن مياه النيل تكفى لتلبية حاجة الجميع.!
وتتناقض حجة دولة أثيوبيا مع المبدأ القانوني الراسخ وهو مبدأ حق الأنتفاع، وأن الأسبق أنتفاعا هو الأحق، فهو صاحب الحق المكتسب.. ومع المبدأ الدولي من إن الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية التى تقع فى أكثر من دولة عليها سيادة محدودة، سيادة مشتركة بين الدول المتشاطئة عليها.
وفيما يتعلق بنهر النيل هناك أتفاقيات قانونية تعود إلى أكثر من قرن وهي، البروتوكول الموقع بين بريطانيا ممثلة لمصر وأيطاليا ممثلة لإثيوبيا كدولتين مستعمرتين عام ١٨٩١.
والأتفاقية المبرمة بين بريطانيا والأمبراطورية الإثيوبية المستقلة عام ١٩٠٢. والأتفاقية المبرمة بين بريطانيا ودولة الكونغو ١٩٠٦، والأتفاقية المبرمة بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ١٩٠٦، والمذكرات المتبادلة بين المملكة المتحدة وإيطاليا ١٩٢٥.
والأتفاقية المبرمة بين مصر وبريطانيا ١٩٢٩. َالأتفاقية المبرمة بين مصر والسودان بشأن مياه النيل ١٩٥٩..
هذه الأتفاقيات طبقا لأحكام وقواعد القانون الدولي العام ملزمة لدول حوض النيل بموجب أتفاقية فيينا ١٩٧٨، والتى نصت على أن الأتفاقيات الخاصة بتحديد ورسم الحدود الدولية أو الخاصة بالوضع الجغرافي الإقليمي تظل سارية المفعول بموجب قاعدة الوراثة، ولايمكن إلغاؤها أو تعديلها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها.!
وجاء بإعلان مدريد الصادر عن معهد القانون الدولي ١٩١١، بشأن المياه بأنه لايجوز للدول المتشاطئة إقامة منشآت لإستغلال مياه النهر دون موافقة الدول الأخرى .
ولا يجوز إنشاء المشاريع التى تستهلك كمية كبيرة من المياه.
عدم أنتهاك حقوق الملاحة فى النهر الدولي.
لايجوز لدول المصب إقامة منشآت من شأنها أن تحدث فيضانات فى دول المنبع.
يجب تعين لجان مشتركة دائمة لدراسة المشاريع المقترح إنشاؤها على النهر..
بالأضافة إلى قواعد هلسنكي بشأن المياه ١٩٦٦، َومبادئ لجنة القانون الدولي بشأن المياه ١٩٧٩، وأتفاقية الأمم المتحدة بشأن أستخدام المجاري المائية لغير أغراض الملاحة ١٩٩٧..!
ولكن دولة إثيوبيا دون أستثناء ترى بطلان كافة الأتفاقيات وعدم شرعيتها لأنها لاتناسب حقوقها ولاتلبي حاجات وضرورات التنمية.
وترفض أي مفاوضات أو أبرام أتفاقية مع دولتي المصب مصر والسودان، وتفرض سياسة الأمر الواقع التى تطبقها إسرائيل فى فلسطين، وترفض أثيوبيا كافة صور الوساطة سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو البنك الدولي أو الأتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأفريقي، وهو ماينذر بأضطرابات فى قارة أفريقيا قد تصل إلى الحرب العسكرية.
ويغيب عن دولة أثيوبيا ان مصر دولة قادرة على الردع والحفاظ على وجودها سواء فى الشرق الأوسط أو فى قارة أفريقيا.