الكاتب : دينا عبدالكريم |
09:44 am 28/02/2021
| رأي
| 1954
هل تعرف تلك الأيام التى استيقظت فيها من الصباح الباكر ونمت متأخرًا جدًا، لكنك لم تنجز شيئا فى قائمة ما تريد حقًا أن تفعله؟!.
هل تذكر تلك المرات القليلة التى قررت فيها إيقاف الصخب من حولك؛ حتى تلتفت بهدوء لإنجاز صغير لكن حقيقى تتمنى تحقيقه.. وحققته بهدوء دون صخب؟!.. إنها نفس الحالة التى يمر بها الوطن ألف مرة فى الأسبوع!!.
تمر بنا أسابيع صاخبة مليئة بالأصوات العالية والشائعات التى تصل حد الكذب، يصدقها الناس، يتعطل كل شىء، نتوقف للتكذيب، للشرح، للتصحيح.. ثم نصل أخيرًا إلى المعلومة الحقيقية.. ثم تهدأ الشائعة.. فنعود للهدوء ومحاولة التركيز فى إنجاز يتحقق وحلم يبنى، ومحاولة جعل الجميع شركاء فى تحقيقه فقط لأجل هدنة وسلام اجتماعى.. ثم تصيح أصوات جديدة.. بصخب جديد فى قضية أخرى.. وهكذا.. صخب أجوف يعطل الاستمتاع بكل ما هو حقيقى ومتحقق!، وأصوات جوفاء قادرة على التحدث بلا توقف لساعات دون أن تقول شيئًا!.. بينما يصمت من يمتلك المعلومة!.
لكنى أدرك بشكل كبير تأثيرها على الحالة العامة وعلى إيمان الناس بالإنجاز الحقيقى الذى يحدث فعلا.. يعطلنا الصخب كثيرًا..
دائرة الشائعات تكاد تبتلع يقين الناس وإيمانهم بالقضية.. وفوضى المعلومة تطيح بما تبقى من قدرة على التمييز بين الحقيقة والمبالغة.
لو طبقنا مسألة التوثيق العقارى أو قانون الأحوال الشخصية المزعوم مثالا ستجد أن الناس ابتلعوا داخل كذبات متتالية، وتأخرت جدًا أى معلومة دقيقة وواضحة.. ببساطة تسعون بالمائة مما وصلنا على مواقع التواصل كان محض مبالغات وافتعالات.
ليست المرة الأولى التى أرى فيها أننا نُبتلَع داخل هذا الكم من الأكاذيب والهلع بلا أصل ولا سند، إلى الحد الذى جعلنى أفقد الرغبة فى الكتابة أو الحديث فى أى موضوع يتحول إلى ترند وحديث الساعة، كل ما هو مستهلك لا يشبهنى ولا يثير شهيتى الإعلاميةً ولا الاجتماعية.
أبتعد قليلا وأستمر فى المراقبة وأحلل وأدون وأرصد.. وفى كل مرة أجد نفس الحقائق تتكرر بدقة:
يقولون «ما من طريقة للتغلب على الشكوك سوى فيضان من الحقيقة».. لماذا يتأخر فيض المعلومات، ولماذا يتردد من يمتلك المعلومة من الأساس فى شرحها؟. وربما كان السؤال الأهم لماذا لا يستمع الناس للصوت النادر والعاقل الذى (يقول) المعلومة من الأساس؟!. ربما كانت هذه الإجابة هى ما سيقودنا للحل.. لماذا صار مترسخًا فى يقين الناس أن قضاياهم لن تحل إلا بكثير من الصخب؟!، هل لهذه القناعة نصيب من الصحة؟!.
الحقيقة أنه إن صح ذلك- وقد أثبتت تجاربنا القريبة أنه صحيح فى بعض الأحيان- فنحن نحتاج لتدخل عاجل لضبط ميزان المزاج العام للمصريين.. نحتاج أن (نروج الفكرة) إن كنا نؤمن بجدواها، أو (نناقشها) إن كانت مازالت قيد التنفيذ.
فلو كان هناك اختبار حقيقى للذكاء الاجتماعى، فسيكون بالتأكيد من نصيب من يستطيعون التمييز بين ذلك الضجيج الأجوف الصاخب، وبين التأثير العميق الهادئ!.