للاعلان

Mon,25 Nov 2024

عثمان علام

"بعد الرحيل".. إلى الغائب الذى لن يعود

"بعد الرحيل".. إلى الغائب الذى لن يعود

الكاتب : لوتس عبد الكريم |

12:21 pm 13/01/2021

| رأي

| 4024


أقرأ أيضا: Test

بعد الرحيل، تمر الأيام متثاقلة متباطئة، تحمل الهم والذهول، فلم تعد الحياة هى الحياة، وتبدلت الأشياء، وتحولت الكائنات، وتغيرت الدنيا من حولى.
الرحيل بلا رجعة، حيث لا أمل فى الفرح باللقاء. فقد ولت أيام اللقاء وانتهت، وتركت الوحشة والوحدة وألم الذكريات.

الحياة لن تعود مثلما كانت من ذى قبل.

وكل رحيل فيه ذهاب وسفر، ولذا فالمرء يكون لديه توقع وترقب بالعودة، إلا الموت فهو تذكرة سفر فى اتجاه واحد فقط، لا رجوع منه أبدا، وأنا دائما أقول: لم يعد واحد من موته؛ كى يحكى لنا بالتفاصيل الدقيقة ماذا حدث له؟.

فرحل إلى الأَبَد لغةً يعنى أنه مات، تُوفّى، وحطَّ رَحْلَه/ حطَّ رِحالَه: أقام، استقرَّ.

ومن الأبيات التى أرددها كلما خلوت بنفسى ما قاله أبو الطيب المتنبى (303 - 354هـجرية) (915 - 965ميلادية):

«وَإنّ رَحِيلاً وَاحِدًا حَالَ بَيْنَنَا.. وَفى المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرّحيلِ رَحيلُ».

صار الفراغ يملأ الأمكنة جميعها، والوحدة تسيطر علىّ وعلى المحيط الذى أعيش خلاله، والحيز الذى أتحرك فيه، لكأن الراحل زوجى عبد الرحمن العتيقى كان يملأ حولى الفراغ والمكان، الأرض والسماء، كأنه الحياة ولم تعد لى بعده حياة أخرى.

صرت أرى الكائنات أشباحا تحوم حولى أينما حللت وكنت، وأسمع الكلمات كأنها تأتى إلىّ من محيط بعيد لا أعرف له مكانا ولا مصدرا ولا مستقرا، لم أعد فى عالمى الذى بنيته وحدى بدمى ودموعى وغربتى وسفرى فى المكان وفى داخلى، أنا فى عالم ثان الآن، ولا أجد منطقا ينقذنى من التأملات التى لا تتركنى وحدى ثانية واحدة، أنا التى درست علم المنطق، وفلسفة الموت فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.

فلم يعد يمتعنى شىء، ولم أعد أرغب فى شىء، فقد كان فى وجود عبد الرحمن العتيقى الطموح فى تحقيق أشياء كثيرة أريدها وأسعى إليها، حيث كان وجوده هو الحافز الملح والدافع لكل طموحات الحياة، والإصرار على مواصلة الكفاح لتحقيق الفرح وكل المتع.

الآن تبتلعنى الذكريات حيث كانت أيامنا وليالينا معا فى نيويورك ولندن وباريس، وفى سويسرا، وفى سواحل الريفيرا الخالدة، وفى مكة المكرمة وجبال الطائف.

تحتشد الذكريات فى ذهنى وتتسابق أيها أقرب إلىّ منها، وأيها أجمل وأحب، أيام الكويت ولياليها، والمعاناة، والحب الذى لا يتكرر إلا فى الأساطير على مدار أربعين عاما.

كلا، لا شىء يعود، فلقد أقفرت الحياة وانتهت ساعاتها. فطريق العمر، وطريق السعادة إنما يقطعان مرة واحدة.

لقد كان صوته العاقل الحانى، يأتينى من بعيد بالحب والنصيحة والإيمان بحكمة الله الذى يخلق الأشياء ويستعيدها فى حكمة وفى غاية ليس لنا بها علم.

هل أنا الآن أبكى الفقد؟..

أم أبكى الحياة التى ذهبت ولن تعود ثانيةً؟..

أم أبكى الحب الكبير الذى لا شبيه له، والذى احتمل التضحيات الجسام؟.

كم احتملت، وكم ضحيت من أجلى، وليس هناك على هذه الأرض من يحتمل كل ما احتملت.

لن أعوضك، إذ ليس هناك من يشابهك أبدا.

أشعر بالخوف، فالماضى حياة فى حوادثها، والمستقبل وحش يجثم على صدرى.

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟