الكاتب : سمير عطا الله |
05:11 am 05/01/2021
| رأي
| 2487
احتفلنا بيوم اللغة العربية كما نحتفل بعيد الأمهات. مشاعر صادقة بلا شك، وتمنيات، ومخاوف نعبّر عنها باستمرار منذ زمن طويل، ليس فى حاجة إلى يوم محدد ومناسبة معينة. الذى غاب عن المقالات والدراسات الطيبة هو التحدى الأكبر، أى جعلها لغة علمية قابلة للتوسع والحياة، مع سائر اللغات الأخرى.
أحد الكتّاب الشبان أشار إلى ما حققته مؤسسة «صخر» خلال 50 عاماً من عمليات الملاءمة بين اللغة وبين الوسائط الإلكترونية الحديثة. ربما كانت «صخر» الرائدة والأكثر تقدماً وإنتاجاً فى خدمة السيبيرالية اللغوية. ومنذ أن أطلقها محمد الشارخ فى الكويت، عملت على خطين متوازيين: الحرص على التراث، والحرص على تبسيطه فى استخدامات العالم الجديد. وقطعت صخر شوطاً بعيداً فى تبسيط المعانى والحركات من أجل تسهيل عملية الترجمة، التى لاتزال أمامها مراحل شديدة التعقيد. فالثراء البديع الذى تتمتع به العربية يتحول غالباً إلى أحجيات صعبة الحل. وهذا ليس فى صالحها طبعاً إلا فى المنافسات البلاغية. وقد يُبعدها عن متناول أهلها وطالبيها معاً.
وجميعنا نعرف أن بريطانيا، أو الولايات المتحدة، استخدمت فى الانتشار حول العالم، ليس السفن والأساطيل والمال، بل كانت اللغة الإنجليزية أهم الوسائل وأكبر عقبة ستواجهها الصين وهى تتحول خلال أقل من عقد، إلى أكبر اقتصاد فى العالم، هو اللغة التى أعاقت من قبل القوى الروسية أو الألمانية أو التركية.
اللغة تطوّر نفسها عبر سنين من خلال الاستخدام اليومى فى الجامعات والمعاهد أو فى الحياة العادية. لذلك، يؤدّى التعقيد إلى نتائج معاكسة. وتتسلل إلى اللغة كما يحدث الآن، التسرّبات العاميّة التى لا تلبث أن تسيطر على المجتمعات، وتخلق لغة موازية هى فى الحقيقة بعيدة جداً عن اللغة الأم.
يتساءل المرء دوماً عن دور المجامع اللغوية فى العالم العربى، وماذا حلّ بها، ولماذا لم نعد نسمع منها أو عنها الكثير. أليس من المفترض أن تكون هى أيضاً قد أعادت النظر فى طريقة إنشائها وعملها ومواجهة التحديات التى تتعرض لها اللغة كل يوم؟ إننا نسمع اليوم، وكأن الأمر عادى لا غرابة فيه. مسؤولون يخاطبون الناس بالعامية. ونجد أن اللغة المبسطة الصحيحة غابت كلياً عن الإعلان العربى، لتحل مكانها العاميّات واللهجات المحليّة. وقد تناقص فى الجامعات العربية إلى حدّ بعيد، عدد طالبى الاختصاص فى اللغة، لأنه لم يعد أمامهم فرص كثيرة للعمل. كما لم يعد من شروط عدد كبير من الوظائف أن يجيد المرء لغتَه فى الحدود الدنيا.
ذكر لى محامٍ كبير أنه يشعر بالخجل من الأخطاء التى يرتكبها كبار القضاة والمحامين وهم يدلون بمرافعاتهم أمام المحاكم. فإلى الماضى القريب، كان «المتفرجون» يأتون المحاكم ليصغوا إلى المحامين وكأنهم ذاهبون إلى مسرح يتنافسُ فوق حلبته الأبطال والبارعون.