الكاتب : د أحمد هندي |
02:23 pm 18/12/2020
| رأي
| 2820
خمسون عاماً مروا علي صدور القانون رقم 60 لسنة 1971 ، بشأن المؤسسات العامة وشركات القطاع العام ، والقانون رقم 61 لسنة 1971 ، بشأن أصدر نظام العاملين بالقطاع العام ، ولازالت كافة التعديلات القانونية واللائحية للقانونين تدور في فلكهما ، حتي يمكن وصفهما بالجمود القانوني فلم يتم تعديلهما بالرغم من التغييرات الدستورية دستور 1971 ، ودستور 2012 ، ودستور 2014 ، فلم يتدخل المشرع لتعديل هذين القانونين مثل حدث في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 !
والثابت أن شركات القطاع العام وحدات أقتصادية تقوم علي تنفيذ المشروعات الأقتصادية وفقا لخطة التنمية ، وعلي الرغم من التحول من الأشتراكية إلي الرأسمالية الحرة كما هو وارد بمواد الفصل الثاني من الباب الثاني بالدستور المصري الصادر في عام 2014 ، المواد من 27 حتي المادة 46 ، فلم يلحق بقوانين القطاع العام أي تعديل تشريعي بما يساير مواد الدستور حتي اصبح قانون القطاع العام قانون جامد عصي علي التعديل التشريعي دون سبب !
فعلي سبيل المثال ، نجد أن شركات القطاع العام البترولي نجد أن قوانين ولوائح شركات القطاع المشترك والخاص والأستثماري هينة لينة مرنة بصورة ملفتة للنظر ، نجد أن قانون شركات القطاع العام ولائحته جامدة وكأن هذه الشركات لاتتفق في طبيعتها مع باقي شركات قطاع البترول المشتركة والخاصة والأستثمارية بالرغم أنهم جميعا تحت مظلة مركزية واحدة هي وزارة البترول !
فكافة الشركات في جوهرها شركات مساهمة ماعدا شركات القطاع العام انزال تدور في فلك الشركات الحكومية الجامدة منذ نشأتها في خمسينيات القرن الماضي !
ويبدو أن وضع سياسة تكفل رفع الكفاية الإنتاجية للعاملين تحقق كفاءة التشغيل وانتظام العمل بهذه الشركات لاتزال غائبة بسبب عدم وجود إرادة للتغيير وإدارة للتغيير لشركات القطاع العام البترولي .
ويذهب أنصار مدرسة الإدارة الحديثة إلي أختزال قضية التغيير في مفهومين أساسين وهما .
الاول وجود الإرادة اللازمة لإحداث التغيير ، والثاني وجود الأدارة الكفؤة القادرة علي تحويل تلك الإرادة إلي واقع تنفيذي !
ويؤيد أنصار مدرسة الإدارة الحديثة ذلك بالقول أنه بدونهما مجتمعين لايحدث التغيير ، واذا حدث فلا يستمر أثره !
لقد أستنفذنا كل التعبيرات الجميلة عن التطوير ، والتحديث ، والأصلاح المالي والإداري ، والحوكمة ، والشفافية ، إلا أننا لم ننجح في تغيير الثقافة السائدة في شركات القطاع العام منذ سبعين عاما ، حيث ينصب التركيز علي قضية الموارد والديون التي يصدع المسؤولون رؤوسنا بها فهي دائما الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم وعدم كفاءتهم في التغيير !!
والملاحظ لنا جميعا أن الأرادة القوية للتغيير والادارة الكفؤة لا تظهر إلا في شركات القطاع المشترك والخاص والأستثماري ، إرادة تحلم وتخطط وتمول طبقا لما هو متاح وفي ضوء أولويات واضحة ، ثم تتابع بصرامة وتحاسب بشدة ، حركة مستمرة للتغيير والتعديل ، حركات دورية للنقل والندب للأرتقاء ورفع الكفاية الإنتاجية للعاملين ، حتي اصبح هناك مفهوم سائد لدي شركات القطاع المشترك والخاص والأستثماري وهو أدمان العمل work a holic !
أما أرادة التغيير وأدارته لشركات القطاع العام البترولي ، إرادة رخوة وإدارة بلا ملامح ، إرادة تتوهم وترتجل الخطط ، وتوزع الموارد بنقص علي الجميع ، تبني علي موازنات بلا أهداف وبلا أداء واضح يهدف إلي التنمية المستدامة ، فالموازنة هدفها الأساسي الأتفاق ، بل الكارثة أن النجاح يقاس بقدر الأنفاق دون النظر إلى النتائج التي تم تحقيقها ارقام وبيانات مزيفة ، ويتم الأكتفاء في المتابعة بكتب الإنجازات الورقية الوهمية ، ولا تتم محاسبة مسؤولاً عما حققه حتي لو أهدر مليار جنيه ، ففي أقصي الأحوال يخرج من موقعه بتكريم لاتعرف له سبب !
والملاحظ أن تطبيق معيار الكفاءة واضح وضوح الشمس في غسق الدجي في شركات القطاع المشترك والخاص والأستثماري أي عملية بحث مستمرة عن الكفاءات من أجل تطوير الأداء والتحديث وهو ما يظهر بوضوح من خلال الحركات المستمرة لشركات القطاع المشترك سواء الفنية أو المالية أو الإدارية ، عملية تغيير مستمرة علي مدار العام !
وفي المقابل جمود في شركات القطاع العام لأن المعيار المطبق منذ خمسينيات القرن الماضي ، هو أن معيار ( الكوسيكية ) هو المعيار العام ومن مفردات هذا المعيار أن يكون مصدر الأختيار وشرعيته الأصلية هو المحسوبية ، المحاباة ، الواسطة ، استغلال النفوذ ، الأهواء ، المزاج ، الأصدقاء ، الشللية ، والمصالح المشتركة ، أصحاب العلاقات القوية اللي بيعدوا ويطنشوا ، وأصحاب فرض القرار !
أما معيار الكفاءة المعروف في كافة دول العالم المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، فرنسا ، ايطاليا ، اليابان ، المانيا ، هو الأختيار التكنوقراطي اي الأختيار بحكم التخصص الدقيق في فرع من الفروع ، حتي يكون من وقع عليه الأختبار لديه القدرة علي ترجمة دقة تخصصة علي أرض الواقع ، أما في شركات القطاع العام ابتدع أهل الفساد تعريفات جديدة وتوصيفات عجيبة لأغتيال التخصص ، تحت توصيف الحصول على مؤهل عال مناسب ، وهو ما فتح الباب علي مصراعية لأشخاص لا علاقة لمؤهلاتهم بالوظائف التي يشغلونها !
بالرغم من أن هناك مبدأ عام في اكاديميات الإدارة العامة الحديثة ، وهو هان شئ أصلح به أن أبدل قانون بقانون ، أو أبدل لائحة بلائحة ، أو أبدل شخص بشخص ، من أجل الأصلاح والتخلص من الفساد والمفسدين ..
أنها إرادة التغيير وأدارة التغيير الكفؤة !