الكاتب : دينا عبدالكريم- المصري اليوم |
05:21 pm 06/12/2020
| رأي
| 1733
هناك نظرية معروفة جدًّا فى مجال صناعة البرامج أن البرامج ذات الرسالة الإيجابية يطلقون عليها «تنموية» ويتعاملون معها بسطحية وتعال لأنها بوصف المتخصصين لا تجنى ثمارها إعلانيًّا! أو بمعنى آخر ليست ساخنة بما فيه الكفاية ولا تصنع مشاهدة! لذا تضطر أغلبية الكيانات الإعلامية إلى تقديم المادة التى ترفع معدلات المشاهدة ومن ثم تجذب الإعلان!
وبفعل عوامل العرض والطلب وحق المعلن فى البحث عن السوق الرائجة لوضع منتجاته، يبحث أيضًا عن الجمهور الذى يشاهد هذا المحتوى ويصنفه فئات بناء على المستوى الاقتصادى والاجتماعى وكونه رجلًا أو امرأة شابًا أو بالغًا أو طفلًا! ما أقوله هو أساسيات يعرفها كل من عمل أو اقترب من الإعلام بكل صوره المقروءة أو المسموعة أو المرئية، صارت بمثابة قانون السوق الإعلامية، فقد اعتدناها رغم كونها مزعجة جدًّا بالنسبة لأولئك الذين يسعون لتقديم محتوى ويهتمون بتقديم أمور جادة وقيمة ومفيدة! لأنها كما يعتقد الصناع «مابتأكلش عيش»!
لكن الفرق بين من نجحوا فى تقديم محتوى قيم ومحترم وقادر على قيادة الوعى العام والرأى العام فى بلادهم وناجح أيضا جماهيريًّا، أوبرا وينفرى مثالًا، وبين من سقطوا مستسلمين لطلبات السوق وتدنى الذوق وصاروا أذيالًا لأدنى المستويات الثقافية فى مجتمعاتهم، برامج الردح والبذاءات، وبرامج «الشحاتة ع الناس» مثالًا.
الفرق بين أولئك وهؤلاء هو قليل من المجهود والدراسة لدور الإعلام فى قيادة الوعى وكثير من الاجتهاد حتى تنجح فى تقديم محتوى قيم وغير ممل فى الوقت نفسه، هذا ممكن جدًّا بالمناسبة، مأساتنا هى نظرية قديمة رسختها فى أذهاننا عقلية النسخ والتقليد والاستسهال، باسم يوسف نجح فى فترة سابقة، إذن كلهم باسم يوسف! والنتيجة ثقل دم! ريهام سعيد «بتجيب» إعلانات، إذن كلهن ريهام سعيد والنتيجة ضغط دم!
إبراهيم عيسى يتكلم بدون ضيوف، إذن تبًا للضيوف وكلنا خبراء فى ثقافة وقدرة إبراهيم عيسى على التحليل! والنتيجة شبه رسالة وشبه محتوى... أريد أن أستعير جملة الكاتب الساخر الرائع شريف أسعد «ياختااااااى» وأنا أتحدث عن حالنا وثقافة النقل والنقش. أذكركم مرة أخرى لا تصدقوا الشماعة التى تقدم للسهولة والنقش وملو الهواء، «الجمهور عاوز كده»، فبرغم كل ما سبق وسردنا عن كون الإعلان معيارًا مهمًّا، يبقى السبب الحقيقى فى الأزمة هو الناس البليدة التى ترفض بذل القليل من المجهود حتى تقدم مضمونًا جيدًا ومسليًا وممتعًا فى الوقت نفسه، من يقدمون هذا المضمون يقدمون إعلامًا ويحصدون إعلانًا أيضًا! فالمعلن سيذهب إلى من يشاهده الناس والناس يشاهدون ما يعجبهم، ويترك داخلهم حالة، فإما أن تضحكنى بأناقة أو تبكينى بلياقة أو تحرك داخلى فكرة، هذا ما يسمونه فى الإعلام فن الإلهام.
دورنا أن نلهم الناس لا أن نعظهم، دورنا أن نرفع الناس من ظروفهم الصعبة، لا أن نبنى أمامهم أسوارًا من المحبطات. ويبقى دائمًا الصواب هو الحل إنما أسوأ ما فى الصواب هو أن زبائنه فى البداية قليلون، ودروبه موحشة لرواده الأوائل، لكن من اختاروه لم يخذلهم أبدًا.