الكاتب : د أحمد هندي |
02:49 pm 06/11/2020
| رأي
| 2487
يصطدم الباحثون فى علم الإدارة العامة الحديثة عند عقد دراسة مقارنة بين النظريات الإدارية والتطبيقات العملية بالفروق السحيقة بين النظرية والتطبيق، بل يجد الباحث صعوبة شديدة عندما يسمع مقولة (دى نظريات الواقع غير ذلك)، وهو ما يكشف عن وجود خلل لدى القائل الذى يخلط النظرية والتطبيق فى قالب لن يخرج فى صورة نموذجية مهما فعل.!
مثال عملية مفاضلة السلطة العليا المختصة بين المرشحين لشغل مناصب قيادية لأختيار المختار طبقا للأوراق من خلال ملفه فقط دون النظر لأي شئ آخر، فلا تتم المفاضلة بين الشخص صاحب الضمير القوى وصاحب الضمير المعدوم، فهى عملية تحتاج إلى بذل جهد من جانب السلطة المختصة والتى تفضل الراحة عن العناء.
ومبرر السلطة المختصة أن الملف الورقي مرآة كاشفة تريحها من أي عناء، لتجد نفسها غارقة فى ملفات غالباً مايحكمها التضليل، والتزوير، والرشوة، والمحسوبية، والمحاباة، وأستغلال النفوذ، فلا يتم أجراء أختبارات شخصية من جانب سلطة الأختيار للمرشحين لشغل المناصب العليا.
والثابت عملا أن كافة الملفات الورقية أو المنسوخة على الأجهزة الإلكترونية، ما أجملها وما أجمل سيرتهم العملية، وقد تكون الحقيقة مخالفة لحقيقة الشخص الذى قد يصبح المختار المحظوظ!!
وفى عالم الإدارة طرازين من المرشحين، الطراز الأول شخص قوى الضمير، والطراز الثانى شخص عديم الضمير والأمانة، ونعرض نبذة مختصرة للطرازين من المرشحين..
الأول مرشح قوى الضمير شخص صادق ولكنه لن ينجو عند عرض ملفه من الخطر والمخاطر لأن قيمه ومبادئه لن تروق للكثير لأنه صاحب ضمير يقظ!
مثل هذا الشخص من الطبيعى أن تجد رئيسه يضيق به ذرعا، وقد يصب عليه غضبه، أو فى القليل سوف ينظر إليه على أنه إنسان ثقيل الظل لايعرف الكياسة أو الذوق الرفيع، ويأنف سماع رأيه.
وهذا الطراز مستبعد لأن رئيسه يقول عليه ( دا عنده ضمير حى)؛ أنه لايصلح للأدارة وأوصي بأستبعاده، وما أكثر أصحاب الضمير الحى الذين ظلموا وفقاً للتطبيق العملي لوجه نظر معدوم الضمير!
أما الطراز الثانى فهم أهل السلطة الذين تتم الموافقة عليهم أسرع من طرفة العين، المرشح للمنصب شخص فاسد معدوم الضمير، وأصبح هذا النموذج فى عالم الإدارة الحديثة بمثابة مرض معد، شديد العدوى، تنبثق الجراثيم منه بشدة فى كل أتجاه يتلوث منه مع مرور الزمن الكثير ممن حوله.
وأهم مايميزه أنه أحلى مجلسا وأكثر نفاقا فهو مثل الخمر يعطى لذة عابرة ويدمر على المدى البعيد العقل والجسد، وهذا الفاسد المختار يحب الأعتماد على طراز معين من المنافقين على شاكلته، يقولون له كل مايريح أعصابه ويسعده ويرضيه، مهما كانت أقاوليهم بعيدة عن الحقيقة!
الفاسد المختار فى كافة درجات التسلسل القيادي، كل همه أن يقال عنه أنه رجل عظيم، بالرغم من أن كافة أعماله وأفعاله وقراراته يمكن أن تشكل جرائم ومخالفات جنائية وتأديبية، كل هذا من أجل أن يقال عنه رجل الأنجازات، فهو لايسعي إلى عدالة أو مصلحة عامة، بل هو على أستعداد تام للتضحية بأيمانه وأسلامه من أجل أن يقال عنه صاحب إنجازات..
ومن الكلمات الشائعة على ألسنة العامة فى عالم الإدارة كلمة - الأونطجي - وهو الشخص الذى لا يملك حيلة إلا النفاق. وأيضاً كلمة - دا راجل أفاق - وهو الذى لا ينتسب إلى وطن، مختل الذمة، لايعرف الأنتماء والأخلاص!!
وهناك كلمة المنافق وهو الشخص الذى يتظاهر أمام رؤسائه ومن حوله من المنافقين أنه من أتباع الفضيلة، والأخلاق الحسنة الحميدة !!!
ومن أهم صفات المسئول المنافق أن فى قلبه مرض، ومفسد، وسفيه، ومتآمر مخادع، وغدار لايفي بعهد..
ويقال عليه ( كداب كدب الأبل)، لأنه على أستعداد أن يبيع ضميره من أجل الثناء عليه، وقد يبيع شرفه المهني والوظيفي من أجل أرضاء شخص مرائي!!
المرائي هو الشخص الذى يظهر للناس أنه يتصف بالخير والصلاح خلاف ماهو عليه، فهو يظهر العبودية للناس ليحمدوه، ومن هنا فإنه يهتم بالبريق أولا ولايهتم بغيره، وكافة أعماله فإنه يقصد بها غير الله، لأنه حاد عن الطريق السوى عمدا، لأنه يريد أن يصفق له الشلة الفاسدة المحيطة به ليخلعوا عليه أجمل الأوصاف والألقاب!!
فما أجمل فرص معدومي الضمير، فإذا كانت عملية أختيار المختار قائمة على على الملفات الورقية تجده فى المقدمة.
وإذا وقعت الواقعة وتم أختيار هذا النموذج فإن سلطة الأختيار سوف ترفض التسليم بخطأ المختار مهما فعل، حتى لو أرتكب جرائم تزوير، رشوة ( راشي أو مرتشي)، الأهمال الجسيم، أختلاس المال العام، أو أهداره، أو تسهيل الحصول على المال العام، جرائم جنائية لاتخضع لحصر ( وينام فى بطنه بطيخه صيفي)، لأن هناك من سيدافع عن ( حو حو) أمام السلطة العليا المختصة والأجهزة الرقابية، ( دا صاحب أنجازات معجزة حتى لو أهدر مليار جنيه)، فمن المستحيل أن يقال أن من أختاره أخطأ.!
ومن خلال البحث فى التاريخ الأداري البشري، نجد أن أفضل أداري عبر التاريخ هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان عملاقا كبيرا فى القيادة والأدارة.
فعندما أراد أن يضع معادلة أدارية تعد معيار نموذجي لكافة جهات الأختيار..
فقد قال ( أريد رجلا إذا كان فى القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم)!
عبقرية عمر بن الخطاب الأدارية، أن السلطة القائمة على أختيار المختار من الواجب عليها البحث، والأستكشاف، والتنقيب، من أجل أنتاج وتنمية الموارد البشرية، أنه يريد أن يكون الرجل متمتعا بالهيبة وأن غابت عنه السلطة، فإذا آلت إليه السلطة أضاف إليها التواضع والرفيق..
البحث الشخصي لا البحث الورقي، حتى لاتكون هناك نماذج عديمة الضمير والأصل الطيب، بل أصول خبيثة!
محظوظون من يتم أختيارهم بالواسطة فقط، حتى وأن كانوا معدومي الضمير..