الكاتب : د أحمد هندي |
11:41 pm 26/10/2019
| رأي
| 11672
ليس هناك قضية الآن في مصر تستأثر بالكثير من النقاش والإهتمام مثل قضية المعاش والحياة الكريمة لمستحقيه، وهو مايجعلها قضية تتسبب في أحداث بلبلة، لأنها من القضايا الحساسة التي تخص حياة الناس ومعيشتهم، لاسيما عندما يمس الحديث رغبة الإنسان في البقاء والأرتقاء.
فهي قضية بالرغم من أهميتها وأصالتها، فإنها تثير دائمآ كثيراً من أبواب الجدل، ويتصدي البعض لإخافتنا منها لأنها تمس قوت الشيوخ والأرامل والأيتام والعجزة ، ومن ثم فهي لفظ يتجاوز المعنى البسيط ، ليمس بشكل حميم الحاجات الأساسية اليومية للإنسان ، بل الأحوال المعيشة بشكل عام.
توفير الحياة الكريمة للمواطنين في مصر أولوية قصوي، بل هي الهدف الذي يسعى إليه الجميع وعلى مختلف المستويات داخل الدولة مع ضمان أستدامة الحياة الكريمة، فعندما يخرج الموظف او العامل إلى المعاش يعيش حياة تحت خط الفقر، لأن المبالغ المستحقة لاتكفل له ولأسرته حياة آدمية وليست حياة كريمة كما هو منصوص عليه في الدستور.
فالمعاش في مفهوم الدستور بأنه ليس صدقة تتصدق بها الدولة على المواطنين، وإنما حق للمؤمن عليهم أو المستحقين عنهم، والتمتع بالحقوق لايتم إلا بأتاحة كاملة دون نقصان أو جور عليها، أو تطفيف يفرغها من مضمونها، ولم يرد في الدستور النص على تحديد حدا أدنى للمعاشات عبثا، وإنما قصد منه تقرير حق دستوري للمؤمن عليهم أو المستحقين عنهم في الحصول على معاش يضمن لهم الحياة الكريمة من غير بخس او ظلم ، وهو ماتم النص عليه بالباب الثاني المقومات الأساسية للمجتمع ، الفصل الأول المقومات الأجتماعية من الدستور المصري الصادر عام ٢٠١٤، فقد نصت المادة ١١ على أن تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الأجتماعي، ولكل مواطن لايتمتع بنظام التأمين الأجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي بما يضمن له حياة كريمة!!
إذا لم يكن قادراً على إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة.
وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصياديين، والعمالة غير المنتظمة وفقا للقانون ، واموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة وهي وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر أستثمارا أمنا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقاً للقانون وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات.
والنص الدستوري هنا ليس مجرد نص صدر لقيمة مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما يتضمن قواعد ملزمة لسلطات الدولة الثلاثة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية!!!
وخلال الشهور الماضية برزت العديد من الوقائع حول أموال التأمينات والمعاشات ، ومنها حكم المحكمة الإدارية العليا بأحقية أصحاب المعاشات استحقاق اخر خمس علاوات ضمن المعاش، ثم صدر القانون رقم ١٤٨ لسنة ٢٠١٩، قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، ثم قرار الهيئة العامة للبترول بتوحيد توريد استحقاقات المعاش التكميلي على حساب بنكي واحد الخاص بمعاشات العاملين بقطاع البترول، وهناك نداء ورجاء وأمل من العاملين بشركات قطاع البترول إلى رئيس مجلس إدارة الصندوق الخاص بالمعاش التكميلي، بفتح باب الأشتراك لمن لم يسبق أشتراكه أو من رفضوا الأشتراك نتيجة فتاوي الفضائيات بحرمانية نظام الصناديق الخاصة، والآن باب الاشتراك مغلق وفي كافة الأحوال الرحمة أولا ثم القانون!!!
وخلال مؤتمر موك الإسكندرية المنعقد في ١٥ أكتوبر من الشهر الحالي، توجهت بسؤال إلى الأستاذ محمد جبران رئيس النقابة العامة للعاملين بقطاع البترول، هل معاشات التأمينات الاجتماعية والمعاش التكميلي، يكفلان حياة أدمية لأصحاب المعاشات بقطاع البترول؟؟؟
فكانت الإجابة (لا)، وقال أنه يرى ضرورة زيادة قيمة معاش صندوق المعاش التكميلي ليكون عشرة آلاف جنيه شهرياً، ليكفل لصاحب المعاش وأسرته حياة ادمية وليست كريمة بمعناها البسيط ، فالمعاش التكميلي الآن أصبح لايغني ولايثمن من جوع!!!
ولذلك فإن علينا أن نفتح الملف بكل شجاعه وعرضه على الخبير الأكتواري، مع تسليمنا الكامل بأهمية المعاش من الناحيتين الأقتصادية والأجتماعية، فإن الأمر أصبح يتطلب تغييراً جوهرياً بحيث تراعي المتغييرات والتغييرات الهيكلية التي تحدث يومياً في الأقتصاد المصري.
لقد أصبحت الفرصة مواتية لأختيار آليات جديدة وأساليب مبتكرة وخلاقة، تساعد على الإستفادة القصوى من مخصصات صندوق المعاش التكميلي وصناديق التأمينات الاجتماعية والمعاشات، بحيث تحدث تغييراً حقيقيا وملموساً في دخولهم وفي مستوى معيشتهم!!!
ومع صدورر القانون ١٤٨ لسنة ٢٠١٩، نتمي الإستثمار الأمثل للأموال الخاصة بالشيوخ، والأرامل، والأيتام، والعجزة، وعدم سلب أموال الصناديق بالقانون كما يذهب لصوص أموال الناس، الذين يحصلون على ملايين الجنيهات من أموال الصناديق، في صورة مكافأت، وبدلات وتحميل ضرائبها على الصناديق أي الحصول على مكافآت وبدلات الجلسات واللجان الوهمية خالصة الضرائب...يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا..