للاعلان

Mon,25 Nov 2024

عثمان علام

أحمد الغرباوى يكتب: فى ذكرى رحيل فاروق شُوشة والسَّفَرُ الطويلُ

أحمد الغرباوى يكتب: فى ذكرى رحيل فاروق شُوشة والسَّفَرُ الطويلُ

02:36 am 15/10/2019

| رأي

| 2835


أقرأ أيضا: Test

 

ثلاث سنوات على رحيل الشاعر الكبير فاروق شوشة.. وقد أفرد شراعه.. لتحملهُ ريح الربّ نحو السّفر الطويل وأوْحَد مصير.. ويرحلُ عَنْ عالمنا فى 14 أكتوبر من عام 2016م..
حبيبى.. غصْب عَنك..ولا تزل تخْلفُ مَوْعِدك ورُقُى الإبْدَاعِ؛ ونفتقدُ خُضْرة الوَرق ورَطْبِ ظِلّ براء الحرف؛ وعَذْب الوْجَد البضّ؛ وسِحْر الكَلِمْ الغضّ؛ وأسْرِ المعنى يَسْرى بالروح خَدْر جمال نغْمِ..
غصْب عنك حبِيبى..
لا تَنْزِل المَحَطة.. وَيَأخُذَك القِطَارُ عبر المَدَى.. وتَتْرُكنا فى ذُهُول وَدَهْشة؛ فُجَاءَةِ عَدْمِ اللُقُا.. وتلاشى النسم الندىّ على سفح الأفق..
والآن لم يعُد يَقُلَ لكَ أحَدٌ فِى القَاهِرة.. (قِفّ..؟).. قِف أيّها القَادِم (يَدُقّ البابَ ويحلم..!)
ولنْ يأخذك الشّجنُ العصىّ نحو السيدة زينب ومصر القديمة.. و.. و تُصَلّى (الجُمْعَةَ فِى أزْهّرْهّا..؟).. ولنْ تَمْشِ فى (المُوسْكِى والعَتْبة/ وتَعْبُر نحو القلعَة..؟)..
وفِينا تستمرُّ المُعَلّم.. يتهاْدى حيْاءاً.. ويحاولُ أنْ يتوارى بحُمْرة أوْرِدتنا.. يرْعى نشْوة خلْقِ فنّى.. حَدّاء الورْى.. وعصا النَّاى تَتْكأ على ترْنِيمات الربّ؛ حُضْن ضَنَا..
يتردّدُ صَداَها عِشْق جُمَل.. وبَيْن الشفايْفِ تأبى زحف برودة قطيرات.. تسّاقط ولذّ لَعْقٍ.. ومَصّ رَضْبٍ.. و
واشْتَهْاء قُبل..!
حبِيبى؛ ذُو الحِسّ الأنِيق.. أنَا اللغَةُ العَرْبَيّةُ..
وفِيكَ  لَنْ أتَقَبّلَ العَزَاءْ..؟
فِيكَ  لنْ ألمْلم المَعَانى رَثاءْ..!
،،،،،
حبيبى.. غصْب عَنك..
ولا تزل تخْلفُ مَوْعِدك ورُقُىّ الإبْدَاعِ؛ ونفتقدُ ترنيماتك خُضْرة وَرق شجر؛ أنوثة ربيع.. ورَطْبِ ظِلّ شتاء دافىء؛ براء حرف؛ وعَذْب الوْجَد البضّ؛ وسِحْر الكَلِمْ الغضّ؛ وأسْرِ المَعْنى؛ يصهل بمضمار الروح خَدْر جمال نغْمِ..
وَتَبْقَى أسْوَار مدْرسَتكَ الشَّامخَة.. وإباء جَامِعَتَكَ.. تفِيضُ مناهجْهَا شَاعِرْيّة لحن.. ومنْ شوائبِ اللغة؛ مُنْتقى دُرْرِ..
وَتَنْطقُ بِحالِ واقعنا المصْرى والعربِى.. ومُعَفّرة بِطِين الدِّلِتا ونَوّات (يُوود) اليَّمِ.. وصلْدِ وجَلَد الرَّمْلِ الأصْفَرِ.. أوّل منْ يُعْمى العَدْوّ عنْ سَتْرِ؛ وهَتْكِ كِبْرِيْاءِ الجَسْدِ..
وَتَبْقَى حَبِيبى قَامة ومَقام إعْلَامِى كبِير.. فى ظِلّها تَتَرْيّض أنْتَ ورفِيق دِرْبَك الشَّاعِر الكبير محمد ابراهيم أبوسنّة.. وَتَبُوحُ رَوْحُكَ فِى آخر حِوْارٍ بَيْنَكمُا:
ـ النَّاسُ تَتَصوّرُ أنّنى سَعِيد..!
ولكنّى أحسُّ أنَّ دبِيبَ الموتِ فى نفْسى..
الموْتُ كامِنٌ فى نفْسى وقلْبِى..
حبِيبى؛ أهو أنت أيّها الشاعر.. من بالموتِ رحبْتُ؟
أم ـ عَنْ عَمدٍ ـ  فِى سِرّ إلْتَقَاكَ.. قُبَيْل أنْ يَحْمَل جُثْمَانَك الرَّقِيق فِى عَلَنٍ.. ويحْرِمْنَا مِنْكَ القَضا ضَنَنْ؟
مُتْرَفّقا الرّبُّ كان؛ بِهَوْلِ قَطْفِ إحْدَى ثَمْرَات الحُبّ..!
،،،،،
حبيبى.. غصْب عَنك..
ولا تزل تخْلفُ مَوْعِدك وسمو الإبْدَاعِ؛ ونفتقدُ خُضْرة الوَرق ورَطْبِ ظِلّ براء الحرف؛ وعَذْب الوْجَد البضّ؛ وسِحْر الكَلِمْ الغضّ؛ وأسْرِ المعنى يتهادى بالروح خدر جمال نغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا الكلمة السَّحْر.. التى تعُلّمْنَا كيْف يرْتقى الإبْداع بِالإنْسان قوْلاً وَفعْلا..
فلاينْبض إلا بُكِلّ ماهو جميل.. عَفّ اللسان.. يُرفْرِفُ على أجْنحِة مهد فرخ لم يتعلّم الطيران بجناحىّ التغريد والحبّ.. ينْضحُ منْ طيب ودّ.. وسكِينة روح.. تُحَلّق دوْما فى السَّحر.. بعْيداً عنْ الأرْضِ.. أبْعَد مِنْ أمْكَنَة وَأزْمِنَة عاديّات البشر.. وعلى ضفاف أوْردَتَه وشرْايينه؛ ترافق حُمْرة دمّه بُلْبل لا يتْوقّف عنْ النّغْم..
يصّاعدُ صوْته.. ويــ.. تـ.ْ. قـ.. طـْ.. رُ نزْفِ جرْحَه أعذْب وأجمل وأرْخم وَأْنْدر وأفْرد الأصوات الإلهيّة.. تترنّم اللغة العرْبيّة فى العصْر الحديث..
هو فَاروق شُوشُة وَالدّكْتور المُبْدع طه حسين والشّيخ محمد رفْعت.. فليْرحمْهم الله ويرْحمْنا فى غيابِهم..
،،،،،
حبيبى.. غصْب عنك..
ولا تزل تخْلفُ مَوْعِدك ورُقُى الإبْدَاعِ؛ ونفتقدُ خُضْرة الوَرق ورَطْبِ ظِلّ براء الحرف؛ وعَذْب الوْجَد البضّ؛ وسِحْر الكَلِمْ الغضّ؛ وأسْرِ المعنى؛ يحبو بالروح؛ خدر جمال نغْمِ..
ويبْقَى لنا رِقّ الصّدقِ بأرِيج ورْد..
خلوقٌ فى همْس القوْل.. وناعمٌ فِى هَسّ اللمْسِ.. مُهذبٌ الحُضور.. كنْزٌ فيّاض فِى ملْك كُلّ مقوّمات الالْتفاف حوْله.. َننهلُ منْ ثراء دوح روْضهُ.. وعذْب مىّ نضْحه..
وتصْرُخ فى وجْهنا منْ شدّة الألم.. ويثور الشّعْرُ:
ـ خَدْمٌ.. خَدْمٌ/ وصعّرْوا الخدود كُلّمَا مشوا/ وغلظوا الصّوت/ فزْلزلوا الأرْض/ وطرْقَعوا القَدم..
وتترك لنا الحكْمة.. درْساً لكُلّ المُثقفين.. منْ وراء الجوائز يخْدمون الحُكّام..
ويُسبِّحون بِحَمْدِ المناصِب؛ ومنْح السُّلْطَان فى كُلّ خَان..!
وفى المرْعَى لايعْرفون الفرْق..
الفَرْقُ بيْن رِفْقة الذِئَابِ.. وَرُعَاة الغَنْمِ!
وَتَقول حَبِيبى:
ـ الجَوْائز لا تَصْنَع شاعراً..
بَلّ هِى تَكْرِيمَات لإبْدَاع الشّاعر؛ ونِتَاج المُبْدع..؟
تُرى هَلْ عرفوا الفَرق..؟
أم وراء الشَاليهات.. وشُقق التّمليك.. والسّيْارات.. وَدَعايات الزيّف.. ومصالح الشِلليّة.. وقبْض ثمنْ الآهات شعْراً ونثْراً.. ويرْتعون على حساب حصاد أهْلِ الجَهْلِ والفقْرِ والأمْيّة..!
ويحْشون عقُولهم بِطقوس جاهليّة..!
ويسممون أرْوَاحهم بأنْ ترْياق الحيْاة مُتَعٌ.. وإشْبَاع غَرْائِز جَسَدِيّة.. وبين جدران الشهوات تترنّح عبوديّة!
وأنْت حبيبى (المُسافر أبْدَاً).. القائلُ:
ـ لنْ يزْدَهِر الشِّعْرُ فِعْلياً إلا إذَا تَحقّقت.. وتوفّرت أشْياء عدّة.. أوّلها القَضاء على الأمْيّة.. وتَعْلِيم النَّشء اللغة السليمة.. لأنّ الشَّعر فَنٌّ لَغْوِىٌّ صَعْب..
فَلايُمكن قراءة قَصِيدة.. أوْ تذوّقها منْ شخْصٍ؛ لا يحسّ اللغة العَرْبَيّة!
وَتَضع لنَا روشتة الخُروج مِنْ إحْبَاطات المُثَقّفِين.. وَتَكْسُّر دروب المُبْدعين.. فَتْرَاهُم:
ـ لَيْسَوا جَّادين.. وَليْسَوا صُرْحَاء.. وَلايُعْبّرون عن أنْفُسَهُم بِصدْقٍ.. ويمشون فى المسِيرة، دُون أنْ يكونَ لهُم رأىّ حُرّ.. ولا قِوّة لَهْمُ.. ولا صوت مسْمُوع.. ودوْماً فى ذيل القَائِمَة..
فى مِينْتَنا الجميلة سيّدى..
لازِلْنَا نبْحثُ عنْ الخلاص.. ونتْعَلّقُ بِالحلم من فرْار اليأسِ عنّا.. مَهْمَا أثْقَلنا مرَارَ بؤسٍ.. والتْحَفَتْنَا جِلودٌ بلا حِسّ..
ولا يزل حفر نزف.. نَقْتَفِى أثر(عَرّاف يَكْتُب الأدْعِيّة/ ويلمُّ الجَرْحَ.. ويشْفيه/ ويُدَاوى النّاسَ إذا تَعِبُوا..)
وترْحلُ حبيبى.. مُثْقَلةٌ مخْلاتك فى عامك الثّمَانِين..
ثَمَانُون عاماً.. وتتْرُكَ لنا (فراغ السَّنِين)
ذكْرى ( مُوجَةُ حُبّ دَفِين/ تُدَاعِبُ أحْلامُنَا كُلّ حِين..)  
،،،،، 
حبيبى.. غصْب عنك..
ولا تزل تخْلفُ موْعِدك ورُقُى الإبْدَاعِ؛ ونفتقدُ خُضْرة الوَرق ورَطْبِ ظِلّ براء الحرف؛ وعَذْب الوْجَد البضّ؛ وسِحْر الكَلِمْ الغضّ؛ وأسْرِ المعنى؛ يغشى الروح؛ خدر جمال نغْمِ..
وَيْبَقَى لَنَا بُسْتَانَك الإعْلامِى الغَنّاء؛ منْ خلالِ برْنَامِجَكَ الإذْاعِى الأشْهَر(لُغَتَنا الجَمِيلة) بِالإذْاعَة.. وتَتْجَوّل بِنا حيْاة الإبْداع؛ ودُنْيا المُبْدعين فى (أمْسيّة ثَقَافِيّة) بالتليفزيون..
وتُرفْرف أحْلام النَّوارس الشَّابة.. وتُحَلّق الأفْراخُ الصَّغِيرة؛ ورْحِيق الاسْتَاذيّة لنا فِى كُليّة الإعْلام بِجَامِعة القَاهِرة.. والجَامِعة الأمْريكية.. ورئَاسة جمْعيّة المؤلفين؛ وعضْويّة لجنة الشّعر بِالمجلس الأعْلى للثقافة.. وغيْرها
وما المَناصِب أمام خلود إبْدَاعك بأكْثَرِ منْ مُؤلفٍ أدَبىّ.. منْها (15) ديوان شِعرى.. منّ الله عليْكَ بالخلق الفنّى.. بِدَايْة منْ (إلى مُسْافرةعام 1966).. ومروراً بـ (العِيون المُحْتَرقة 1972) وَ(لؤلؤة فِى القلب 1973)؛ و(انتظار ما لا يجىء 1979).. حتى (الجميلة تنزل إلى النهر) عام 2002..
وماذا حبيبى يفيد الرَّصد والتسْجيل والتوْثيق.. ونحْنُ لا نزِل نروح ونجيء فى بساتين ريْاضك.. نتْروّح ونُرِيح منْ عذابات الرّوح؛ بروعات وشوشات الوجدان، ونقَاء وارْتَقاء فكر بنفحات دوحك.. ونزد منْ خيْرِ معين فَارس لُغَة الضّاد؛ صاحب النهج الإعْلَامى المثقف؛ الواثق بقدراته دائِماً أبَدَاً..
وتُسافر حبيبى.. وتبْقى..
تبقى بَيْنَنَا ( ظلّ القَلبِ فى بَلْدِى..؟) مهْما تخْدعنا الدّنْيَا..
ويمرُّ العُمْرُ بلا جَفّ دَمْعٍ؛ وَلا قِصْر حُزْنٍ ( كَيْفَ القلب يَسْكُنَنى/ وَكَيْفَ للروح أنْ تَمْضِى عَنْ الجَسْدِ..!)
،،،،،
حبيبى.. غَصْب عنّى.. أنَا اللُّغَة العَرْبَيّة.. وقد كنت حارسى الشخصى الأمين..
فِيكَ.. لا أقْبَل رثَاء ولا عزَاء.. فما جدْوى.. ماجدْوى يتْبَقّى منكَ، ولنا وبيْنَنَا.. لا تبْقى!
مادُمت فينا.. لمّا ترْحَلُ بعد.. ماجدوى؟ 
وحوْارِيّو مساراتك وأزقّة شوارعك؛ لا نظلّ.. و
ولا نبْقَى..!
ولا تحْمِلنى أنيق نبضك.. وهَسْهَسَات حَرْفِى؛ إنْثيْال خَرْيرِ صَوْتَكَ؟
حبِيبى الجَمِيلُ المُسَافِرُ أبَدْ؛ إنّى والله إنّى أفْتَقِدَك..
إنّى والله أنْقِصُ.. أتناقص بِهجرك؟ 
حبيبى..
أنَا المِوْقَّعُ أعْلاه (اللغة العَرْبيّة)؛ فيكَ لنْ أتَقَبّل عَزَاءْ.. فِيكَ لَنْ أتَقَبّل رَثَاءْ..
أنَا عَجْزٌ
عَجْزُ إمْضَاءْ..!
.....
* ملحوظة: مَابَيْن الأقْوْاسِ مِنْ إبْدَاعات شِعْرِ الرَّاحِل الكَبير فِى قَصْائد (الليل)؛ و(هل تذكرين)؛ و(وطنى لايسمع أحزانى)؛ و(حنين)؛ و(لؤلؤة فى القلب)؛ و(الدائرة المحمكة)..
أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟