الكاتب : أحمد هندي |
11:35 pm 08/10/2019
| رأي
| 2126
الخبرة التاريخية لسياسة روسيا في الشرق الأوسط توضح الدور التنموي الذي لعبته في العديد من دول الشرق الأوسط، وابرزها المشروعات التنموية الكبرى في مصر مثل، السد العالي، مجمع الحديد والصلب، مجمع الألومنيوم، ترسانة الإسكندرية البحرية، مشروعات الري، مجمع اسوان للفحم، وحديثا محطة الضيعة للطاقة النووية.
عندما أعلن في مدينة برست الروسية بتاريخ ٨ ديسمبر ١٩٩١، انهيار الاتحاد السوفيتي من مرتبة الدولة العظمي الثانية إلى دولة كبري، ورثت روسيا الاتحاد في الأمم المتحدة ومجلس الأمن و ٧٦ ٪ من المساحة، و٤٥ ٪ من الإنتاج الاقتصادي، الا ان الأوضاع الداخلية الروسية عقب سقوط الاتحاد افتقاد البنيان الداخلي والنهوض بالقدرات الشاملة للدولة.
وكان الاقتصاد هو موطن الداء الذي ادي إلى انهيار الاتحاد، والتدهور الحاد لمؤسسات الدولة التي أستشري فيها الفساد وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، واقتراب روسيا من إعلان افلاسها..
وهو مادفع الرئيس الروسي بوريس يلتسين إلى التنازل عن السلطة لصالح فلاديمير بوتين عام ١٩٩٩، والذي استطاع تحويل روسيا من قوة عسكرية عظمى الي قوة بترولية وغازية مؤثرة في الاقتصاد الدولي!!
وتبني الرئيس الروسي بوتين استراتيجية لإعادة بناء الدولة داخليا والنهوض بالدولة خارجيا، على اساس بقاء الصناعات الخاصة بالطاقة تحت السيطرة شبه الكاملة، واحتكار الشركات الحكومية التابعة لقطاع الطاقة في روسيا وابرزها، شركة غاز بروم كاكبر شركة غاز طبيعي في العالم، وشركة لوك أويل للبترول والتي يبلغ متوسط إنتاجها اليومي ٢ مليون برميل خام، وتمتلك الشركة اكثر من ٦٠٠ محطة تموين منتجات في قارة أوروبا.
وشركة روسفينت والتي حصلت على حصة باستثمارات مشروع حقل ظهر بمنطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى بورصة سان بطرسبورج للغاز الطبيعي، وقد ترتب على هذه الاستراتيجية عدم قابلية التمييز بين المصالح الروسية ومصالح النخب التي تدير قطاع البترول والغاز الطبيعي.
ومع كل توتر في مناطق العالم تجني روسيا ثمار ذلك بأنتعاشات مالية واقتصادية، وهو ما ساهم في استعادة روسيا لنفوذها الدولي على مسرح الأحداث بقوة، وتمثل روسيا للأتحاد الأوروبي أهمية بالغة، لأنها تملك التأثير على الجغرافيا السياسية للطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد دول الاتحاد الأوروبي على روسيا لتوفير ثلث احتياجاتها من البترول والغاز الطبيعي.
وتعتبر ألمانيا اكثر دول الاتحاد الأوروبي اعتمادا على روسيا في الغاز الطبيعي، ويعتبر ملف الغاز الطبيعي أحد اهم الركائز التي تقوم عليها السياسة الروسية تجاه الاتحاد الأوروبي.
حيث تمتلك روسيا سابع اكبر احتياطي بترولي في العالم بعد دول الخليج العربي وفنزويلا، بأحتياطيات تقدر ب ٦٠ بليون برميل خام وهو مايمثل نسبة ٤.٦٪ من الاحتياطي العالمي .
وتعتبر روسيا اكبر دولة في العالم من حيث احتياطات الغاز الطبيعي تقدر ب ١.٧ كوادربليون قدم مكعب من الغاز، وهو مايمثل ٢٧.٥ ٪ من الاحتياطي العالمي.
وتحتل روسيا المرتبة الأولى عالميا في تصدير الغاز الطبيعي، والثانية في تصدير خام البترول والمنتجات المكررة، وتحتل المرتبة الرابعة عالميا بين مصدري الأسلحة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، وتشكل الصادرات الروسية من البترول والغاز الطبيعي ٨٠ ٪ من إجمالي الصادرات الروسية.
وأراد الرئيس الروسي بوتين إثبات مدى قوة روسيا في تأمين امدادات الطاقة للأتحاد الأوروبي، فقرر إغلاق خط البترول الذي يمر من أوكرانيا الي العديد من دول الاتحاد الأوروبي في يناير ٢٠٠٦، وكرر المشهد في العام التالي بإغلاق خط الغاز الطبيعي دوروجبا الذي يخرج من الحقول الروسية الي بيلاروسيا لمدة ثلاثة أيام في يناير ٢٠٠٧، وهو ما اربك الاقتصاد في ألمانيا، بولندا، المجر، سلوفاكيا، التشيك، ومرت ألمانيا خلال الليالي الثلاثة بتجربة شديدة القسوة!!
وقد دافعت روسيا عن قرارها بالاغلاق بسبب فرض بيلاروسيا رسوم عبور ( ترانزيت)، قدرها ٤.٥ دولار على طن الخام الذي يتم نقله عبر خط دوروجبا الي دول أوروبا، واتهام روسيا بسلب ٨٠ الف برميل خام من الخط العابر لأراضيها!!
واثبتت شركة غاز بروم انها أكبر قوة غازية في العالم، ولديها القدرة على التاثير على التنمية الاقتصادية بدول الاتحاد الأوروبي، وهيمنتها على امدادات البترول والغاز الطبيعي للدول الصناعية الكبرى بالاتحاد..
لتسقط ثقة دول الاتحاد الأوروبي في روسيا بسبب نقل الغاز الطبيعي لدول جنوب أوروبا عبر تركيا، والتي تعتبر المعبر الرئيسي للغاز الروسي عبر خط التيار الأزرق، والسيطرة على شبكة الخطوط التي تنقل الطاقة لأوروبا والتي تمر عبر المضايق التركية البوسفور والدردنيل!!
وبسطت شركة غاز بروم نفوذها الي الجزائر عن طريق شركة سوناطراك الجزائرية، بالحصول على حصتها الاستثمارية عن طريق خط الغاز جالسي، الذي يخرج من الحقول الجزائرية الي إيطاليا ويمر عبر قاع البحر الأبيض المتوسط..
وقد رفضت روسيا التصديق على ميثاق الطاقة الأوروبي، والذي يسمح للشركات الاوروبية الاستثمار في حقول البترول والغاز الروسية، الا ان الرئيس الروسي بوتين رفض التوقيع على الميثاق وطالب معاملة الشركات الروسية بالمثل والاستثمار في مناطق الإنتاج التابعة للشركات الاوروبية..
واتهم الرئيس الروسي دول الاتحاد الأوروبي ( بالتعطش إلى الأستيلاء على أحتياطيات الطاقة الروسية)، وأكد ان هناك الكثير من الصراعات في مواقف السياسة الخارجية والتحركات الدبلوماسية لدول الاتحاد الأوروبي، والتي تبدو رائحة النفط والغاز الطبيعي واضحة فيها، بما يؤكد أن وراء كل هذا، رغبة غريبة في المنافسة غير الشريفة من أجل ضمان الوصول إلى مواردنا الطبيعية.
وللحديث عن سباق الغاز الطبيعي بقية!!