وقد كان قرار تأميم النفط الـذي صدر عـن الـبرلمان الإيراني فـي ١٥ مارس ١٩٥١ بمثابة منعطف هام في تاريخ العلاقات بين الدول المنتجة للنفط والشركات البترولية الكبرى. إذ تنبهت الأقطار العربية المنتجة للنفط لأول مرة إلى الحقائق الأساسية التي تحكم صناعة النفط العالمية وإلى الدور السياسي الخطير الذي يمكن أن يلعبه النفط في المنطقة. وأدركت الدول العربية ضرورة قيام تشاور مستمر فيما بينها حول سياساتها النفطية فكان أن تم إنشاء مكتب لشئون البترول في جامعة الدول العربية لم يلبث أن تحول إلى إدارة لشئون البترول وتشكلت لجنة دائمة من خبراء النفط.
وشهدت نهاية الخمسينات بداية عقد مؤتمرات البترول العربي، والذي صدر عنه قرار بإنشاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوبك) حيث أنشئت عام ١٩٦٨ بين كل من المملكة العربية السعودية وليبيا والكويت لتنسيق السياسات النفطية العربية، وربط النفط بالتنمية الاقتصادية، وتنمية قدرات الأقطار الأعضاء في مختلف مجالات صناعة النفط والصناعات المرتبطة بها أو المنبثقة عنهـا. لتصبح منذ ذلك الوقت من أهم وأقوى التجمعات الاقتصادية العربية في مجال ربط النفط بعملية التنمية العربية.
كما شهدت السنوات التالية لتأميم قناة السويس في مصر في عنفوان صعود حركة التحرر العربي، ثم بعد ذلك على امتداد الستينات قيام الدول العربية المنتجة للنفط بإنشاء مؤسسات وشركات وطنية للنفط. واستطاعت هذه المؤسسات والشركات أن تصمد في وجه التحديات وأن تتخطى العقبات لتصبح بعد ذلك ركيزة قوية للسيطرة الوطنية على الثروة النفطية.
كذلك ساعدت الحقبة النفطية الجديدة التي بدأت مع عام ١٩٧٤ على ربط قطاع النفط بشكل أوسع ببقية أجزاء وآليات الاقتصاد الوطني في البلدان العربية النفطية وذلك من خلال إنشاء شبكات مـن الصناعات والنشاطات المتكاملة المرتبطة بقطاع النفط كالتكرير وصناعات البتروكيماويات والنقل وما إليها من النشاطات.
...
رحم الله أستاذنا المفكر الاقتصادي الجليل محمود عبد الفضيل كاتب السطور السابقة في كتابه "النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية" حيث فقدته أسرة الاقتصاديين أمس، وهو أحد أساتذة وأعلام الفكر الاقتصادي في مصر والعالم العربي، والذي يعد كتابه هذا مرجعا أساسيا للدارسين والباحثين في مجال تاريخ النفط العربي.