أغلى ما تملكه الدولة هى أدواتها الإنتاجية الأستراتيجية والتى من مفرداتها شركات القطاع العام البترولي وغيرها من الشركات المملوكة للدولة ملكية خالصة ، وتعد هذه الشركات خط الدفاع الأول عن الأمن القومى وأفراد المجتمع من جشع واحتكار الشركات الأجنبية لصناعة البترول والغاز الطبيعي والبتروكيماويات .
ويعد القانون رقم ٦٠ لسنة ١٩٦٣ ، أول تشريع منظم لشركات القطاع العام ، والقانون ٦١ لسنة ١٩٦٣ والخاص بتنظيم الهيئات العامة . وتبعه القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٩ الخاص بالمؤسسات العامة وشركات القطاع العام ، والمعدل بموجب القانون رقم ٦٠ لسنة ١٩٧١ ، والقانون رقم ١١١ لسنة ١٩٧٥ ، والذى نص على أن شركات العام العام شركات مساهمة فى شكلها القانونى ، تتم إدارتها بواسطة مجالس الإدارات ، وبالتالى فهى ليست جهاز ادارى حكومى من أجهزة الدولة ، من خلال القانون ٤٨ لسنة ١٩٧٨، قانون شركات القطاع العام ، والقانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٨٣ والخاص بقانون هيئات القطاع العام .!!
وبأستقراء التشريعات السابقة ، التى تظهر لنا أن بعض التشريعات تقترب إلى حد كبير بالتشريعات الخاصة بأجهزة الدولة ، وفى البعض الآخر منها تقترب من شركات القطاع الخاص ، إلا أنها فى النهاية مرافق عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة والذمة المالية المستقلة ، وشركات القطاع العام البترولية لم تنشئ من أجل تحقيق الربح ، وإنما من أجل المساهمة فى الإدارة العامة فى صيانة النظام وخدمة المصالح العامة فى الدولة .!!
ولذلك منحها المشرع القانونى العديد من المزايا والامتيازات لتحقيق الأهداف ، فتم منحها الإعفاءات الضريبية والجمركية ، وعدم جواز شهر إفلاسها ، وحق الدولة فى تحديد أسعارها ، المطابقة فى المعاملة بين العاملين فى شركات القطاع العام والعاملين المدنيين بالدولة .!!
وتخضع شركات القطاع العام البترولي للرقابة الإدارية والمالية والفنية من جانب الدولة ممثلة فى وزير البترول ، ويليه الرئيس التنفيذى للهيئة العامة للبترول ، وقد منحت التشريعات واللوائح شركات القطاع البترولي الحق فى التمويل الذاتى لقوتها الائتمانية من خلال الحصول على قروض وإصدار سندات !!
فالهدف الذى من أجله تم تأسيس شركات القطاع العام البترولي ، خدمة الإقتصاد القومى المصرى لسد متطلبات المجتمع وفقاً لظروفه الإقتصادية والإجتماعية والبيئية ، لذلك تم إستثناء شركات القطاع العام البترولية من البيع أو دخولها فى برامج الخصخصة الحكومية بأعتبارها جزء لا يتجزأ من ركن السيادة كدعامة للبعد الاستراتيجى للدولة !!!
وهو ما أكدته المادة ٢٨ من الدستور الصادر في ٢٠١٤ ، على أن الأنشطة الإقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للأقتصاد الوطنى ، وتلتزم الدولة بحمايتها ، وزيادة تنافسيتها ، وتوفير المناخ الجاذب للأستثمار، وتعمل على زيادة الإنتاج وتشجيع التصدير وتنظيم الأستيراد .
وقد طبقت الحكومات المصرية المتعاقبة برامج الخصخصة الحكومية ، ويعتبر القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ الخاص بشركات القطاع الأعمال العام التطبيق الحقيقى للخصخصة ، من خلال تنفيذ الأجندة التى تم إعدادها من البنك الدولى وصندوق النقد ودول المعونة والمنح ، من أجل المساهمة فى معالجة الأختلالات المالية الطارئة التى تؤثر على الإقتصاد الوطنى !!
وتتراوح المدد التى يحددها صندوق النقد الدولي للإصلاح الاقتصادى من ثلاث الى خمس سنوات ، وبموجب قانون قطاع الأعمال العام تم تأسيس ٨ شركات قابضة ، تتبعها عدد من الشركات تصل إلى ١٦٠ شركة ، ويوجد بقطاع البترول ثلاث شركات قابضة بموجب القانون هى شركة جنوب الوادى القابضة للبترول ، الشركة القابضة للبتروكيماويات ، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية !!
وقد بلغ حجم الشركات التى تم خصخصتها خلال الفترة من ١٩٩١ حتى عام ٢٠٠٩ ، حوالى ٤٠٧ شركة بقيمة إجمالية لأسهم البيع للشركات الخاصة المستثمرة 57.3 مليار دولار أمريكى !!!
ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة بحصيلة بيع الشركات ؟؟
قامت بأنقاقها لسد العجز بالموازنة العامة للدولة دون الإستفادة من إيجابيات الخصخصة على حرية السوق ، بل أن تكلفة المنتجات التى تنتجها شركات قطاع الأعمال العام منخفضة الجودة وعالية التكاليف وهو ما يجعلها تحقق خسائر، وبالتالى لجأت الحكومات إلى تخصيص المبالغ الناتجة من عملية بيع الشركات التى تم بيعها بنظام الخصخصة يتم إدراجها فى بند الإيرادات الجارية للموازنة العامة !!!
وقد أظهر برنامج الخصخصة المطبق من ١٩٩١ حتى الآن مدى البيروقراطية والفساد اللذان كان لهما بالغ الأثر فى إهدار الحكومات الأموال على نفقاتها الخدمية والاستهلاكية، والترقيع عن طريق فرض أعباء ضريبية على المواطنين لا تتفق مع الوضع الاقتصادى والمالى للمجتمع المصرى ،حتى أن كافة المشروعات التى يتم تنفيذها من خلال القروض على الرغم أن مبالغ الخصخصة هى قاعدة الاستقلال ألا أن العجز المستمر والمتصاعد بالموازنة العامة للدولة دفع الحكومات إلى قبول خصخصة أى شئ !!
الحديث عن الخصخصة وسلبياتها وايجابياتها يحتاج إلى مقالات كثيرة ، إلا أن مايهمنا هو الخصخصة لشركات القطاع العام البترولى وفقا لتصريحات الحكومة الصادرة عن وزارة الإستثمار ووزارة البترول ورئيس مجلس الوزراء !!
عقب ثورة يونيو ٢٠١٣ والتدهور الاقتصادى والمالى للمجتمع نتيجة التحولات السياسية وتغيير العلاقات الدولية ، لجأت الحكومة الإصلاحية إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ١٢ مليار دولار لإنقاذ الإقتصاد من الانهيار والأفلاس المالى ، وقد حدد الصندوق شروطه والخطوات الإصلاحية خلال مدة خمس سنوات ، وقامت الحكومة بتنفيذ البرنامج والأمتثال لشروط الصندوق و التى منها خصخصة شركات القطاع البترولي بأعتبارها أغلى القيم الأصولية للدولة !!
أعلنت وزارة الإستثمار عن القيام ببيع حصص بشركات القطاع العام القوية من أجل الحصول على ١٠ مليار دولار كحصيلة لخصصة الشركات البترولية والبنوك وأسناد عمليات الطرح الجزئى الشركات والبنوك بواسطة بنوك استثمارية خلال فترة زمنية ما بين ٣ إلى ٥ سنوات !!
وقد صرح وزير البترول المهندس طارق الملا فى ٢٥ أكتوبر ٢٠١٦ ، عن طرح شركات بترولية للخصخصة فى البورصة بنسبة ٢٠ % تنفيذا لأتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي ، وتم طرح ثلاث شركات كباكورة الطرح وهى شركات سيدى كرير وموبكو واموك ،ويتم تداول أسهمهم فى البورصة وتتصدرهما اموك !!
وقد أعلن رئيس مجلس الوزراء فى ١٠ فبراير ٢٠١٧ ، عن تجهيز وزارة البترول لعدد ٢٠ شركة لطرحها فى البورصة تبدأ بشركة إنبى ثم شركات العامرية لتكرير البترول و٤ شركات تابعة للشركة القابضة لجنوب الوادى للبترول ، والنصر لتكرير البترول بالسويس وشركة ميدور والاسكندرية للبترول والشركة العامة للبترول وايجاس والحفر المصرية وسينو ثروة وشركة تنمية وغاز مصر وتاون جاس وأنبى وبتروجيت وأنربك وإيثيدكو ، ليتم اختيار ١٠ شركات لطرحهم للبورصة بنسب ٢٠ % !!
ويظهر لنا أن شركات العامرية ، الإسكندرية ، النصر ، العامة ، شركات قطاع عام . وشركات تابعة لجنوب الوادى القابضة للبترول وعددها أربع شركات وتخضع للقانون ٢٠٣ لسنة ١٩٩١ قطاع الأعمال العام . أما باقى الشركات فتخضع لنظام شركات المساهمة ، وشركات التوصية بالاسهم ، والشركات ذات المسئولية المحدودة وجميعها يخضع لقواعد وأحكام القانون الخاص !!
خصخصة شركات القطاع العام البترولي الواردة فكرة لا يمكن قبولها فى التطبيق العملى لذكريات الخصخصة وبطلانها أمام القضاء ، فهنا عمليات الطرح لهذه الشركات كارثية النتائج تصل لحد اللعب بالنار مهما كانت نسبة الطرح !!
فمن الواجب إعادة النظر في علاقة الدولة بشركات الإمتياز الأجنبية العاملة على الإقليم المصرى قبل اللجوء إلى تطبيق الخصخصة على الشركات البترولية !!