التوقع هو لعبة خطرة وأحد أسهل الطرق لإثارة السخرية، لكنه في الوقت نفسه يشكل وببساطة قائمة إرشادية للقضايا الرئيسية التي يجب أن يطلع عليها أي شخص ذات صلة بقطاع الطاقة ونحن نمضي في الأيام الأولى لـ2019.
ويشير مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" أن نتائج تلك التوقعات ستشكل توجهات السوق وحظوظ الشركات العاملة فيه.
وأول شيء يجب أن يؤخذ في الحسبان هو تأثير العقوبات الأمريكية ضد إيران، حيث أنه منذ عام مضى فإن إيران كانت تصدر 2.1 مليون برميل يومياً من النفط، وبحلول نوفمبر 2018 فإن تلك الكمية هبطت عند 1.1 مليون برميل يومياً.
وفي حالة تطبيق العقوبات بشكل أكثر صرامة فإن الصادرات ستتهاوى إلى نطاق الصفر، مع وجود عزم أمريكي لجلب إيران إلى مائدة المفاوضات بشأن مشروعاتها النووية.
وفي حالة وصول إيران إلى حل وسط أو تمكنت من الوصول إلى صفقة بشأن العقوبات فإن الصادرات ستزيد من جديد وأسعار النفط من المحتمل أن تتراجع.
ولكن في حال تنفيذ الولايات المتحدة للعقوبات بالكامل فإن الانخفاض في الصادرات سيمدد القدرة الحالية للمنتجين الآخرين إلى الحد الأقصى، كما أن الأسعار من المحتمل أن تتزايد.
ومن الممكن الحصول على ارتفاع أو هبوط قدره 20 دولارًا أو أكثر من الأسعار الحالية، "فلا توجد قضية واحدة أخرى لها مثل هذا التأثير المحتمل أو تحمل مثل هذا الارتياب".
أما المتغير الثاني فله عواقب بعيدة المدى، ويتمثل في سؤال: هل ستتخذ شركات الطاقة قرارات الاستثمار الضرورية لتمويل الإمدادات والبنية التحتية التي سيتحاجها العالم في العقد المقبل أو ما بعد ذلك أم لا؟.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن هناك الحاجة إلى استثمارات بقيمة 2.2 تريليون دولار سنوياً وحتى عام 2025، ترتفع إلى 2.8 تريليون دولار في العام بعد ذلك.
وقامت شركات الطاقة الخاصة مثل "بي.بي" و"إكسون موبيل" بتحقيق خفضا ملحوظا في التكاليف، واستعادة ربحيتها وإمكانية زيادة التوزيعات حتى في ظل الأسعار الراهنة.
ولكن هل أي منهم أو من المستثمرين في مرافق الغاز الطبيعي واسعة النطاق مستعدون للاستثمار في السعات الجديدة الضرورية لاستبدال نظيرتها القديمة؟.
والإجابة على التساؤل السابق هي أن القطاع الخاص يمتلك القدرة ولكن ليس لديه منافذ الوصول إلى تلك الموارد الموجودة التي تواجه صعوبات سياسية مثل فنزويلا وروسيا وإيران، والبعض يمكن أن يفتقر إلى الرغبة في الاستثمار في مناطق ذات مخاطر سياسية مرتفعة.
وفي بعض الأوقات فإن العديد من الشركات المملوكة للحكومة تعاني من نقص التمويل من جانب الحكومات التي لم تقم بتعديلات مالية استعداداً للأسعار المنخفضة حالياً للنفط.
وعلى الأقل فإن بعض الشركات المملوكة للحكومة من المحتمل ألا تكون قادرة على الاستثمار بشكل كافي للحفاظ على إنتاجاها أو تركيب البنية التحتية مثل الشبكات الذكية القادرة على إدارة إمدادات الطاقة الموزعة وزيادة كفاءة استخدام الطاقة.
أما القضية الثالثة فمتعلقة بالطاقة المتجددة، فالتكاليف تراجعت وبالتالي فإن هناك انتقال نحو اقتصاد أقل اعتماداً على الكربون، ولكن هنا يظهر تساؤل من سيستثمر لجعل ذلك الانتقال أمراً محتملاً؟.
فالطاقة المتجددة مجزأة وهناك مئات الشركات تنتج طاقة رياح وطاقة شمسية لكن العديد يعاني من ضغوطات المالية ويفتقر إلى القدرة على الاستثمار المستدام طويل الآجل على نطاق عالمي.
كما أن هذه الشركات غير قادرة على الالتزام بالبحث والتطوير التي يكون هناك الحاجة لها في حالة إذا كانت مصادر الطاقة المتجددة هي التي تستحوذ على الأسواق الكبيرة التي تهيمن عليها الهيدروكربونات.
والقطاع في حاجة شديدة إلى الدمج، سواء بين هذه الشركات وبعضها البعض أو عبر الشركات القوية في القطاعات الأخرى مثل آبل وجوجل أو المستثمرين الماليين اللذين يمتلكون الرؤية لتأسيس شركات عالمية يمكنها أن تفوز بمواقع مهيمنة في السوق المتنامي.
أما الجدل الرابع فيتمثل في النتيجة المخيبة للآمال لمفاوضات الأمم المتحدة حول المناخ في بولندا في ديسمبر.
وتم إحراز تقدماً ضئيلاً بالرغم من الأدلة المتنامية لتأثير تغير المناخ، حيث أنه على مستوى المهتمون مثل المنظمات والهيئات الحكومي فإنهم سيبدأون في البحث عن استراتيجية جديدة.
ويعتبر الاتجاه القانوني هو أكثر مرحلة واعدة، والذي يتمثل في محاولة جعل الشركات التي تنتج وتبيع النفط تقوم بسداد مقابل مادي للتدمير الذي يتسبب فيه منتجاتها، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
ومع ذلك يستمر هذا الجهد، وكانت القضية الأخيرة في هذا السياق هي التي رفعتها سلطات ولاية نيويورك ضد شركة إكسون تتهمها بتضليل المستثمرين بشأن خطر الانبعاثات داخل أعمالها، ويمكن لمراجعة فيدرالية أمريكية حديثة أن توفر مزيداً من الإجراءات في المحاكم الأمريكية.
وأخيراً فإن لرسالة من تلك المؤشرات الأربعة هي أنه في حين عدم وجود نقص مادي في الطاقة مقابل الطلب المتزايد فإنه لا يوجد شيء مؤكد، وعصر الوفرة ليس بالضرورة هو عصر لأمان الطاقة، فالقطاع معرض لصراع سياسي وعدم يقين يحيط بالقيم إلى جانب القضايا المصيرية التي لم يتم حلها بعد والمتمثلة في تغير المناخ.
أما التوقع الآمن الوحيد فإنه هو أن 2019 لن يكون عاما باهتا.