تصنف صناعة البترول عالميا بأنها من الصناعات الأكثر خطورة وصعوبة نظرا للمخاطر التي تحيط بها في جميع مراحل نشاطها بداية من عمليات المسح السيزمي مرورا بنقل المعدات الثقيلة ثم الحفر والاستخراج حتى مراحل التكرير أو النقل والتوزيع.
لقد سبق هنا النشر بالتفصيل عن مخاطر عملية إنتاج واستخراج المواد البترولية ذات الطبيعة الملتهبة والسامة، وحجم المسئولية الملقاة على عاتق رؤساء ومديري الشركات ومهندسي البحث والحفر والإنتاج. لذا وضعت الدراسات الخاصة بالصحة والسلامة المهنية وتم تأهيل العاملين بالقطاع من أجل التعامل الفوري مع حالات الحوادث المفاجئة للحد من نتائجها السلبية.
وما حدث خلال الأيام القليلة السابقة من حرائق في بعض شركات البترول بالإسكندرية ورأس سدر دليل واضح على مدى خطورة أنشطة البحث والاستكشاف والاستخراج والتخزين، وهو أيضا دليل حي على مدى قوة وقدرة العاملين في قطاع البترول من مهندسين وفنيين وإداريين على تحمل مهام المسئولية الجسيمة طوال مدة خدمتهم من أجل استمرار هذه الصناعة الحيوية واستقرارها لإمداد كافة قطاعات الدولة بما تحتاجه من مصادر للطاقة، ومساهماتها الفعالة في تحقيق خطة التنمية الاقتصادية ودعم الاقتصاد المصري.
وهنا أرى أهمية الإشادة بدور العاملين بشركة جنوب الضبعة للبترول لما بذلوه من مجهودات للحفاظ على سلامة الأرواح أولا قبل كل شيء، وسلامة المعدات والآبار والمنطقة، وتجنب حدوث انفجار كاد يصل إلى حد الكارثة بعد إندفاع وتسرب الغاز من طبقات الأرض لأحد الآبار المنتجة نتيجة الضغط المرتفع المفاجيء أثناء عملية إصلاح وصيانة البئر. ولولا عناية الله ثم شجاعة وإرادة إدارة الشركة -التي أعلنت حالة الطواريء وتوجهت للموقع بالحقول فور حدوث المشكلة- وجهود العاملين بها وتعاون الشريك الأجنبي وبعض الشركات الشقيقة مثل بدر الدين والشركات الخاصة مثل هاليبرتون الذين تكاتفوا جميعا بكل حسم وعزم خلال ١٥ يوما واصلين الليل بالنهار لما مرت الأمور بسلام.
لقد اتخذت إدارة شركة جنوب الضبعة قرارات فورية لمواجهة مشكلة التسريب، وظلت في اتصال دائم مع القيادات في هيئة البترول والوزارة، الذين تابعوا الموقف لحظة بلحظة حرصا منهم على تجنب حدوث الانفجار والخروج بأقل الخسائر البشرية والمادية، وكانت نتيجة تضافر هذه الجهود بين العاملين بالشركة، وتبادل الخبرات والتعاون مع الشركات الشقيقة والهيئة والوزارة، والاستعانة بالخبراء أن تم القضاء على تسريب الغاز ومن ثَم السيطرة الكاملة على البئر، دون حدوث أية إصابات بشرية أو خسائر في المعدات بموقع الشركة بالحقول.
ولحين تشكيل لجنة فنية من الخبراء والمتخصصين في مجالي الحفر والصحة والسلامة المهنية لبحث ملابسات الموقف، والوقوف على حقيقة ما حدث، ومعرفة الأسباب والإجراءات التي اتخذت بغرض تجنب حدوث أزمة مشابهة، ومحاسبة المقصرين إن وجدوا، نوجه التحية لهؤلاء العاملين في موقع الشركة على شجاعتهم في مواجهة الأزمة دون تردد أو تهاون، وتعاملهم بحرفية مع تطورات الموقف حتى استقرت الأمور وعادت إلى مسارها الطبيعي.
هذا وندعو الله أن يحفظ لنا مصر من المخاطر، وأن يديم عليها الثروات والنعم، ويبارك في شعبها العظيم وأبناءها المخلصين.
