تابع معظمنا اصطفاف العشرات من الكنديين، منذ أسبوع تقريبا، لشراء الحشيش بعد تقنينه وإمكانية بيعه بشكل قانوني في المتاجر، ولفت نظري فرحة الكنديين لهذا الأمر مما جعله حدث بارز تناقلته وسائل الإعلام العالمية. غالبا سيرجع الأزواج إلى زوجاتهم ليخبروهم بفرح شديد "انا شربت حشيش يا سعاد"، "ده لو ما كانتش سعاد بنفسها معاه في الطابور".
ما يميز الغرب عامةً هو قدرة حكوماتهم على تطبيق القانون بالتزامٍ تام بالإضافة إلى الثقافة المتواجدة لدي الشعوب في الغرب من حتمية الالتزام بهذه القوانين.
إذا ما غيرت حكومة كندا رأيها غداً وألغت قرار بيع الحشيش، أتخيل أنه لن يحدث مشكلة كبيرة وسيلتزم الجميع.
ما يميز الغرب من التزام بالقوانين هو نفسه (وللأسف الشديد) من أشد العيوب في مجتمعاتنا الشرق أوسطية والعربية والمسلمة بشكل عام.
القانون يتم إصداره بصورة غير قابلة للتطبيق، في كثير من الأحيان، وذلك لأسباب عديدة، أهمها عدم كفاءة القائمين على تطبيق هذا القانون، المحسوبية في تطبيق القانون " بيطبق على ناس ناس"، عدم وجود البنية التحتية والموارد التي تساعد على ذلك، والأهم من هذا كله هو عدم قابلية واستعداد الشعب لتطبيق القانون.
في كثير من الأحيان يكون التأهيل لتطبيق القانون أهم من القانون نفسه، لكن للأسف الحكومات الشرق أوسطية عامة تعمل بمبدأ "نفذ وبعدين اتظلم".
كل هذا يعمل على وأد القانون في قبل أن يخرج للحياة.
أنا على يقين تام أننا في بلادنا لا ينقصنا استعارة وإحضار قوانين غربية لاستخدامها وتطبيقها على شعوبنا. ما ينقصنا حقا هو آلية تطبيق القوانين وتمهيد المجتمع بصورة كاملة لتطبيق القانون.
قبل أن تفرض غرامة مثلا على إلقاء القمامة، يجب عليك أن تعمل على تغيير ثقافة الشعب من خلال حملات إعلانية على جميع الأصعدة عن النظافة وأهميتها ومخاطر انتشار الأوبئة نتيجة لتراكم القمامة وهكذا، ثم تقوم بتوفير صناديق للقمامة وعربيات لجمعها ومصانع لتدويرها، وفي النهاية افرض غرامه مليون جنيه على إلقاء القمامة ولا تبالي.
على الجانب الآخر، لفت نظري في تقنين الحشيش في كندا، أن حكومات المجتمعات الغربية نجحت في بلورة فكرة الحرية الشخصية بصورة كبيره، بمعني أنك تستطيع أن تفعل أو تعتقد ما تشاء بشرط ألا يتعدى ذلك حدودك الشخصية، فتراهم يدعمون المِثليين ويقننون تجارة الحشيش وليس لديهم أي مشاكل تخص اعتناق أفكار أو ديانات سماوية أو غير سماوية. "أنت حر مالم تضر". والشعوب تعلمت ذلك وتطبقه على أكمل وجه.
في مجتمعاتنا الإسلامية، لا يمكن لهذا أن يحدث لأنه ببساطه نحن مسلمون قبل أي شيء. إسلامنا يخبرنا أننا أفضل الأمم لأننا نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر. ومن ثَمَّ يتغير لدينا مبدأ الحرية من الحرية المطلقة إلي الحرية المسئولة.
المعضلة الكبرى أننا نخلط الأوراق دائما ويحدث لدينا تداخل في مساحة الحرية الشخصية للأفراد والحريات العامة.
أنا ضد " إن كل واحد يعمل اللي هو عاوزه طالما ما بيضرش حد" تماماً ومطلقاً. طالما أننا مسلمون وندين لله ولرسوله بالشهادتين فيجب أن ننكر المنكر ونأمر بالمعروف. اللغط هنا يحدث عندما نسأل عمن يجب أن يأمر بالمعروف أو ينكر المنكر. يغفل البعض أن لدينا درجات في ذلك لا يجب أن نتعداها وأدناها الإنكار بالقلب. بالطبع لولي الأمر هنا الدور الأكبر في الحفاظ على هوية المجتمع من مثل هذه الشوائب.
المصيبة الأخرى أننا في مجتمعاتنا أصبحنا مثل المسخ لا قانونا نطبق ولا ديناً نتبع. إلا من رحم ربي.
فنجد القوانين تُنتهك كل يوم و"على عينك يا تاجر" من الملتزمين دينيا قَبل غير الملتزمين وفي نفس الوقت لا نطبق تعاليم ديننا في مناحي كثيرة مثل اللبس وتقاليد الزواج والعلاقات في العمل والعلاقات مع الجيران، الخ.
مجتمعاتنا أصبحت مثل "اللي رقصوا على السلم" لا هم قادرين على محاذاة الغرب في تطبيق القوانين (حتى إذا طبقناها تكون غير ملائمة لثقافتنا) ولا هم قادرين على تطبيق تعاليم دينهم. يخرقون القانون لأنهم غير مقتنعين به ويخالفون تعاليم الدين بحجة العادات والتقاليد ومجاراة الموضة أحيانا وبعض الأفكار الشاذة أحيانا أخري وهلم جرا.
الموضوع متشابك ويطول شرحه ولا أستطيع أن أملى على أحد ما يجب أن يفعل فجميعنا يعلم الصواب والخطأ لكن ما أدين به لله وأعقله يتلخص في أن المسلم يعيش في مجتمعه مثل الطائر بجناحين: جناح "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ولا ضرر ولا ضرار" وجناح “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
وفي النهاية أؤكد أن شرب الحشيش أو تناول الخمر وغير ذلك ليس بالشيء السيء الذي يجب علينا أن نتجنبه، فقط لأنه غير قانوني في بلادنا ولكنه الشيء الحرام الذي نهانا عنه ديننا فلن يصبح شرب الحشيش حلال ولو أقرته قوانين الدنيا ولن يصبح الخمر حلال ولو أصبح بثمن الماء الجاري من الصنبور.