في البداية أو أن اشير إلى أن العمل النقابي هو عمل خدمي من الدرجة الأولى، ومن يخوض فيه ويمارسه إنما يهدف في المقام الأول للمصلحة العامة ولمصلحة من يمثلهم..وربما لا ينطوي هذا على النقابات العمالية، بل والمهنية أيضاً، كنقابة الصحفيين والمحامين والأطباء والمهندسين والتجاريين وغيرهم.
غير أن التدافع على الإنتخابات النقابية وخاصة العمالية قد ينطوي على العديد من الجوانب التي تتنافى تماماً مع ذلك الهدف السامي والراقي وهو خدمة العاملين وقبله خدمة المصالح العليا للمؤسسة التي يمثلها النقابي.
ومنذ زمن طويل وأنا أرى أن التمثيل النقابي في بعض جوانبه غير هادف بالمرة، لأنه يبعد كل البعد عن المصلحة العامة، بل ويصب في الكثير من الاحيان في المصلحة الخاصة للفرد الذي يخرج من المؤسسة، والدليل على ذلك أنه لا يوجد ممثل نقابي ظل يحتفظ بصورته الطيبة امام الناس وامام من يمثلهم، بل سرعان ما تنقضي الدورة النقابية حتى وتجد الناس غير باكية على ما فات وغير مرحبة بما هو آت، لكن الإختيار يكون على أمل كبير في أن القادم ربما يكون أفضل من سابقه، وأن المقاطعة قد تترك الفرصة للغير في أن يقتنصها دون أن يقدم شيئ .
وقد لا تنطوي الإنتخابات النقابية في قطاع البترول على الكثير من الاهداف النبيلة والعظيمة، بقدر ما تنطوي على البحث عن عطية تصب في مصلحة النقابي ذاته، ولا أدل على ذلك ببعض النقابيين الذين فازوا في الدورة الماضية للإنتخابات النقابية البترولية، فهم قبل ان يقولوا بسم الله الرحمن الرحيم، انهالوا على الإدارة بطلباتهم المشروعة وغير المشروعة، وكأن مقصدهم من النقابة كان الهدف منه تخصيص المكتب والسيارة والسكرتيرة والحجز في الفنادق والشقق والتفرغ والحصول على مأموريات مدفوعة، بل وإن الكثيرين منهم لم يفكروا في حل مشكلة للعاملين تعثر حلها لسنوات، بل اراد البعض منهم تشكيل إدارة موازية وكأنهم ما جاءوا إلا لاقتسام المنصب مع رئيس الشركة أو المؤسسة، وهم يجهلون اللوائح جهل تام...وهذا امر ينافي المنطق ويجافي الحقيقة، إذ كيف لنقابي مهمته تحمل أعباء عن العاملين والحديث عنهم وحل مشاكلهم أن يطلب لنفسه طلبات غير مشروعة ويدخل من أجلها في حرب قذرة مع الإدارة تكون ادواتها التشوية والكذب ومحاولة الوقيعة بين الإدارات والموظفين .
ولعل ما طرحه البعض من برامج إنتخابية سامية الهدف ونبيلة المقصد، كان مجرد شو إعلامي ودعاية فارغة قد لا ترقى للإطلاع عليها، لكنها سم قاتل لابد من تجرعه للمرور بسلام في معركة إنتخابية غير سليمة الاهداف، حتى يصعب علينا جميعاً التفرقة بين ذلك النقابي الجيد والنقابي الردئ الذي يطلب مصلحته أولاً، وكأن من يرشح نفسه ليست لديه ثقافة نقابية ولا دراية باللوائح وما له وما عليه، كله عك وخلط للأوراق.
وقد أعجبني السيد محمد جبران نقيب البترول الحالي، فقد طلب من اتباعه قبل إعلان النتيجة بعودة السيارة المخصصة به من شركة الأمل إذا لم يكن الحظ حليفه في الإنتخابات، بل وطلب التواجد بين أبناء شركته مكتفياً بخدمتهم كما هو عهده، ولكن كان الفوز حليفه، ليستمر بمنهجه القديم كما يجب أن يكون عليه النقابي الجيد.
لكن هل سيدعم جبران هذا المبدأ داخل كل نقابي في القطاع؟.. وهل ستكون له رؤية جادة في طريقة التعامل بين النقابيين وادراتهم؟ وهل سيخلق مجلس تنفيذي منزه عن الأهواء والاغراض الشخصية، مجلس يعي جيداً ان هناك ميثاق شرف نقابي قبل ان يكون هناك لوائح وقوانين؟..لا شك أن الأيام ستثبت ذلك من عدمه.
ويبقى أن نقول: لابد وأن يتجرد كل نقابي ورئيس نقابة عن مطلبه الخاص، وأن يتنازل عن أدنى حقوقه وهي التفرغ، ويظل بين العاملين الذين انتخبوه، فهم لم يأتوا به حتى يتفرغ ويتركهم، بل جاوا به ليكون بينهم طيلة الوقت، وعلى النقابي ان لا يُغالي في طلباته بتخصيص سيارة وما شابه من عطايا الإدارة، فهذا يفقده الثقة بينه وبين العاملين الذين انتخبوه، بل ويضعفه هو شخصياً أمام الإدارة إذا ما ارادت اتخاذ قرار قد لا يكون في مصلحة العاملين، وليدرك كل نقابي أن الذي يمد يده لن يستطيع مد قدمه ولو خطوة واحدة، وليعلم أن وزارة البترول سباقة لخدمة العاملين، وهي التي أقرت العديد من المزايا دون طلب من النقابة، وهذا وإن كان فيه الخير للعاملين، غير أنه لن يكون مجدي للنقابي الذي يبحث عن مجد زائف...هذا والله الموفق.