لا شىء كان ينبئ بأنه «العشاء الأخير» لحكومة المهندس شريف إسماعيل.. لا أحد من الوزراء كان يعرف أن الحكومة سوف تستقيل.. كل شىء كان طبيعياً.. الوزراء يتحركون بهدوء.. يوزعون الابتسامات على الحضور.. يتكلمون مع الصحفيين والكتاب بلا أى مخاوف من الرحيل.. وفرغنا من الإفطار ليتكلم الرئيس.. بعدها خرجنا وبدأ الهمس بأن الوزارة استقالت!.
فاجأنا الرئيس ليثبت أن هذه القرارات «تحت السيطرة الرئاسية».. شعرت بأن الصحافة لم تعد تشم الأخبار.. لم تعد تتكهن بالأسرار.. ربما كان رمضان فترة هدنة أو استراحة محارب.. كل شىء قد يكون بعد العيد.. التغيير الوزارى وحركة المحافظين.. قيل قبلها إن وزارة شريف مستمرة.. لا يوجد ما يدعو لاستقالتها.. وكانت المفاجأة أنها استقالت دون أن يعرف الوزراء!.
وبدأت التكهنات وبورصة الشائعات بعد الاستقالة.. من هو رئيس الوزراء القادم؟.. هل يكون بخلفية اقتصادية؟.. هل يكون شخصية عملت فى منظمات دولية؟.. هل فكرة ترتيب رواتب الوزراء ومعاشاتهم كانت لطمأنة العائدين من الخارج؟.. هل يكون المرشح القادم أحد وزراء المجموعة الخدمية؟.. هل يبقى شريف إسماعيل.. أم يتم تكريمه ومنحه قلادة النيل؟!.
طبعاً فى كل تغيير وزارى هناك وزراء لا يقترب منهم التغيير.. سواء وزراء المجموعة السيادية، أم وزراء قدموا أوراق اعتمادهم خلال الفترة الماضية.. ولا أذيع سراً أننا تشرفنا بالإفطار على مائدة واحدة مع وزير الداخلية.. كنا خمسة.. حمدى رزق ومجدى سرحان وجمال حسين وألبرت شفيق وأنا.. كنت سعيداً بأننا قد نخرج بخبر.. فلم نخرج إلا بابتسامة ووعد بحوار!.
جرى الكلام على أننا سنلتقى بعد العيد.. فلم يقل الوزير مجدى عبدالغفار اصبروا شوية.. ولم يقل ربنا يسهل، فنفهم من بعيد أن التغيير الوزارى أولاً، و«بعدين تُفرج».. كنا أمام وزير داخلية لا يبيع أخباراً ولا يكشف أسراراً، ولا يسرب احتمالات الاستقالة.. لا شىء من ذلك حدث.. (كانت هناك طرائف فى اللقاء لا أرى مكانها الآن).. أنت أمام رجل صامت تربى فى أمن الدولة!.
كنتُ أسررتُ للصديق حمدى رزق أنه «العشاء الأخير».. ثبت أن إحساسى لا يخيب.. ترتيب جلوس الوزراء جديد.. على كل مائدة وزير.. ليس مجرد إفطار عائلى.. هناك شىء مختلف جداً.. وتحركت بين الحضور.. التقيت وزراء نافذين وشخصيات سيادية.. أعتقد أن خبر الاستقالة لم يتجاوز «ثلاثة أشخاص» غير شريف بك إسماعيل.. فمن هم الأشخاص الثلاثة بالضبط؟!.
وباختصار، عدنا بالسلامات والقبلات.. ولم نقرأ فى عيون الوزراء أى شىء.. ولم نرهم بعدها.. وأقربهم منى مكانة لم يكاشفنى بشىء.. صحيح هناك مشاورات أعرف بعضها.. لكن قلت لعلها استعدادات لما بعد العيد.. فكانت المفاجأة بالاستقالة.. عندى اسم لا أريد أن «أحرقه».. سامحونى!.