الرئيس طلب علاوة مالية بنسبة 10% لنحو 3 ملايين عامل غير خاضعين لقانون الخدمة المدنية.. كلام طيب، لكننى أجد أن هذا الرقم -إن صح- كبير للغاية؛ لأنه يعنى أن ما يزيد على 40% من الموظفين لا يخضعون لهذا القانون، وأن هؤلاء نالوا علاوة تزيد نسبتها على نسبة العلاوة التى حصل عليها العاملون غير الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، الذين يحصلون على علاوة سنوية نسبتها 7%. هذه التفصيلة ليست موضوعنا، ولكن موضوعنا مسألة الزيادة فى المرتبات التى أصبحت واجب الوقت بالنسبة للحكومة.من المعلوم أن الحكومة عندما اتخذت قراراتها التى وصفتها بـ«الإصلاحية» أكدت أن هذه الإجراءات تتوازى معها إجراءات أخرى تستهدف الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً. وقد أثبتت الأسابيع الماضية اتساع دائرة المتضررين، وأن الفئة الأكثر تضرراً من إجراءات الحكومة تمثلت فى الموظفين بالدولة، الذين ركدت مرتباتهم، فى حين ارتفعت أسعار جميع السلع بصورة فلكية. الموظفون فى أرض المحروسة بحاجة إلى اهتمام أكبر من جانب الرئيس والحكومة؛ لأن زيادة مرتبات العاملين بالدولة، الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، مسألة تصب فى خانة الإصلاح الاقتصادى، ودعنى أشرح لك كيف.الموظفون بالضرائب نموذج يمكن الاستشهاد به فى هذا السياق. الموظفون العاملون فى هذا القطاع يعدون بالآلاف. وقد مثلوا القطاع الأكثر رفضاً لقانون الخدمة المدنية بين القطاعات المختلفة للموظفين بالدولة. ولعلك تذكر المظاهرات التى نظموها للتعبير عن رفضهم لهذا القانون قبل إقراره وتفعيله، التى كان أبرزها مظاهرة يوم الاثنين (10/8/ 2015) التى نظمها العاملون بالضرائب بمنطقة وسط البلد، وقد شارك فيها الآلاف، فى مشهد يمكن وصفه بالاستثنائى بعد 30 يونيو 2013. عندما نتحدث عن العاملين بهذا القطاع فإننا لا نقدم نموذجاً عادياً، بل نموذج شديد التعبير عن حال الموظفين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، وحاجتهم الماسة إلى زيادة مرتباتهم، فى إطار توجه عام لا بد أن يلتفت إلى زيادة مرتبات الموظفين.مؤكد أن الكثير من العاملين بهذه الهيئة من الشرفاء الذين يرفضون المال الحرام، لكن من المؤكد أيضاً أن بينهم ضعاف نفوس، ومن قهرتهم ظروفهم المعيشية، إلى درجة تدفعهم إلى مد أيديهم للممولين. ماذا يحدث فى هذه الحالة؟.. الإجابة معروفة؛ فالموظف الذى يساعد أحد الممولين على الإفلات من الضرائب -مقابل رشوة- يضيّع على الدولة مليارات الجنيهات، فى وقت يقدّر فيه المسئولون حجم التهرب الضريبى فى مصر بـ250 مليار جنيه سنوياً. تخيل أن هذا الرقم يزيد على حجم ما تنفقه الدولة على مرتبات العاملين بها -كل العاملين- فى العام الواحد، والذى يقدر بنحو بـ230 مليار جنيه!. تقديرى أن الأمر سيختلف إذا شعر الموظف المسئول عن جلب هذه المليارات للدولة بأن مرتبه يكفيه، وسوف ينشط بصورة أعلى فى مواجهة التهرب الضريبى. والنتيجة التى تترتب على ذلك نجاح أكبر على مستوى الإصلاح الاقتصادى، وعجز أقل فى الموازنة العامة. وكأن مواجهة الفساد جزء من الإصلاح.. وكأن -أيضاً- تحسين أحوال الموظفين ورفع أجورهم فى هذه الأيام المرهقة يساهم فى مواجهة الفساد!.