ربما أعطى المستثمرون أهمية أسواق الأسهم العالمية، أو تركزت الأعين على العملات الإلكترونية خلال هذا العام، لكن "روح المغامرة" لم تمنع الذهب من تحقيق مكاسب قوية خلال 2017.
ومن المفارقات أن قيمة عملة "البيتكوين" بلغت نحو 16 مثل أوقية الذهب خلال عام 2017، لكن المعدن النفيس تمكن من السير بخطوات ثابتة نحو تحقيق مكاسب للعام الثاني على التوالي رغم الأداء المتقلب على مدى السنة.
وصعدت المكاسب التي حققها معدن الذهب منذ بداية هذا العام حتى تسوية تعاملات 28 ديسمبر الجاري لتسجل 12.6% بعد مكاسب بلغت 8% في عام 2016 سبقتها خسائر قيمتها 11% في 2015.
وتأتي مكاسب الذهب بدعم قلق المستثمرين بشأن المخاوف الجيوسياسية من حين لآخر، إضافة إلى أسعار الفائدة بالولايات المتحدة التي تتوافق مع التوقعات بالتزامن مع أداء متخاذل للدولار الأمريكي منذ بداية العام.
المخاوف السياسية
ومع عودة التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين السياسي، يفضل المستثمرون عادةً الابتعاد عن الأصول الخطرة باللجوء إلى أسواق الملاذ الآمن.
وشهد الربع الأول من العام الحالي توترات عدة، يأتي في مقدمتها مخاوف بشأن سياسة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي حلف اليمين في يناير الماضي.
كما استفادت أسعار الذهب من حالة عدم اليقين بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي نتيجة مفاوضات "البريكست" إضافة إلى الانتخابات الأووربية.
في حين استقرت أسعار الذهب بشكل عام خلال الثلاثة الأشهر التالية من أبريل حتى يونيو الماضي مع تراجع حالة التوتر الجيوجياسي وبالتزامن مع هبوط الطلب العالمي بنسبة 10% بالربع الثاني من العام فضلاً عن تراجع المعروض العالمي من المعدن الأصفر بنحو 8% خلال الفترة نفسها.
فيما وصل المعدن الأصفر الصعود إلى أعلى مستوى له خلال العام الجاري عند 1351.2 دولار للأوقية في تعاملات 8 سبتمبر مدعوماً بتصاعد التوترات الجيوسياسية من جديد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نتيجة التجارب النووية التي تجريها الدولة المنعزلة وسعي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" نحو تشديد العقوبات.
ويعتبر شهر سبتمبر واحداً من أسوأ الأشهر على مدى العام حيث تجاوزت خسائر الذهب 2.8%، لكن المعدن الأصفر سريعاً ما تعافى، محققاً مكاسب خلال الربع الثالث من العام تزيد عن 3%.
وتتزامن مكاسب الذهب خلال الفترة من يوليو حتى سبتمبر الماضي مع تراجع الطلب العالمي على الذهب على أساس سنوي بنسبة 9%، مسجلاً أدنى مستوى في 8 سنوات، ومع انخفاض بنحو 1% في إنتاج المعدن.
أما في الربع الأخير من العام، فبدأت وتيرة التوترات تنمو من جديد وتسيطر على اتجاهات المستثمرين باللجوء للملاذ الآمن تارة والابتعاد عنه تارة أخرى.
وتأثرت أسواق المعدن النفيس باعتراف المستشار السابق للرئيس الأمريكي "مايكل فلين" بالذنب بشأن الإدلاء بمعلومات كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالية في قضية التواصل مع مسؤولين روس.
وعلى النقيض، شهد الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري خسارة قيمتها 44 دولاراً بفعل تراجع المخاوف السياسية في أوروبا عقب التوصل لاتفاق بشأن المرحلة الأولى لمفاوضات "البريكست"، ومع تمرير مجلس الشيوخ الأمريكية لمشروع الإصلاحات الضريبية بالولايات المتحدة.
كما كانت خطة الإصلاحات الضريبية بالولايات المتحدة عاملاً مؤثراً بدرجة كبيرة في أسواق الذهب، والتي توجت بتمرير القانون رسمياً.
3 زيادات في معدل الفائدة
قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة 3 مرات خلال العام الجاري مع 3 زيادات متوقعة بالعام المقبل، لكن تأثيرها على الذهب توقف على التوقعات المسبقة المتعلقة بالقرار كون الدولار عاملاً أساسياً في ارتفاع وانخفاض أسعار المعدن النفيس.
وتراجع معدن الذهب لمستوى 1200 دولار للأوقية في مارس الماضي مع قرار رفع معدل الفائدة الأمريكية الأول من بين المرات القليلة التي شهد فيها المعدن الأصفر مستويات متدنية خلال العام، لكنه مع القرار الثاني في شهر يونيو صعد إلى 1297 دولاراً للأوقية.
وبالتزامن مع الزيادة الثالثة، والتي جاءت متوافقة مع التوقعات، صعد سعر العقود الآجلة لمعدن الذهب عند التسوية للمرة الأولى في 5 جلسات عند مستوى 1249 دولاراً للأوقية قبل ساعات من القرار وقفز لمستوى 1257 دولاراً للأوقية بنهاية أول جلسة بعد القرار.
خسائر الدولار
مع حقيقة وجود علاقة عكسية بين الدولار الأمريكي ومعدن الذهب، فإن الأداء الضعيف للعملة خلال العام الجاري كان حافزاً قوياً لمكاسب تقترب من 130 دولاراً، والتي حققها المعدن النفيس خلال عام.
وبلغت خسائر الدولار نحو 9.4% منذ بداية العام وحتى نهاية تعاملات الخميس الأخير من العام عندما كان المؤشر الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام 6 عملات رئيسية يسجل 102.22 دولار.
الطلب العالمي يتهاوى
على الجانب الآخر، ارتفع الطلب العالمي على الذهب خلال العام الماضي بنحو 2% إلى 4308.7 طن ليسجل أعلى مستوى في 3 سنوات لكنه تهاوى خلال أول 9 أشهر من هذا العام بنسبة 12%.
وتشكل تدفقات صناديق الاستثمار المتخصصة في تداولات الذهب بالبورصات عاملاً رئيسياً في حجم الطلب على المعدن الأصفر، حيث بلغت حيازة صندوق "إي.تي.إف" في العام السابق نحو 531.9 طن لتسجل ثاني مستوى قياسي وهو الأعلى منذ 2009.
وفي المقابل شهدت تدفقات صناديق الاستثمار تباطؤاً كبيراً خلال العام الجاري، لتسجل خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضي 179.7 طن فقط وهو ما يمثل ربع التدفق القياسي المسجل خلال الفترة نفسها من العام السابق.
مسار تصاعدي في 2018
بعد مكاسب حققها الذهب في 2017، جاءت توقعات العام الجديد متباينة بين متفائل يتوقع مزيداً من الصعود في قيمة المعدن الأصفر، وآخر يشير لمكاسب هامشية، وثالث ذي نظرة متشائمة يقدم دليلاً واضحاً على الهبوط لمستوى 1200 دولار للأوقية.
من جانبه، يتوقع كبير استراتيجيي السوق بمجلس الذهب العالمي أن يسير المعدن النفيس بخطوات ثابتة في مسار تصاعدي خلال العام المقبل بعد أن ارتفع أعلى مستوى 1350 دولاراً للأوقية خلال 2017 رغم زيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي بالولايات المتحدة والمخاوف الجيوسياسية.
ويفسر "جون ريد" العوامل الكامنة وراء استمرار الطلب القوي على معدن الذهب بقوله إن السياسة النقدية ستظل محفزات مهمة مع 3 زيادات متوقعة بأسعار الفائدة الأمريكية خلال 2018، فيما تشكل احتمالات أن يصبح "محمد العريان" والمعروف بتأييده للذهب كأصل استثماري نائباً للرئيس الجديد لبنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" إمكانية لدعم الطلب على المعدن النفيس.
ويؤكد أنه بعد الصعود القوي في سوق الأسهم الأمريكي، والذي أثر بالفعل على أداء الذهب خلال العام الحالي بالسلب فإن نهاية هذا المسار قد يلقي بظلال إيجابية على المعدن الأصفر.
لكن "جولدمان ساكس" يرى في مذكرة بحثية أن أسعار الذهب قد تشهد مزيداً من الهبوط حتى تصل إلى 1225 دولار للأوقية بنهاية الربع الأول من العام المقبل، و1200 دولار للأوقية بحلول منتصف 2018، لتعاود التعافي مجدداً عند مستوى 1225 دولاراً للأوقية بنهاية العام القادم.
ويرجع البنك الاستثماري توقعاته إلى عدة عوامل يأتي في مقدمتها استمرار النمو الاقتصادي القوي بالأسواق المتقدمة وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بالتزامن مع خطة ضرائب جديدة بالولايات المتحدة تلوح في الأفق، إضافة إلى تزايد المخاطر الجيوسياسية.
ومع مزيد من التشاؤم بشأن المعدن النفيس، يتوقع البنك الدولي أن تهبط أسعار الذهب خلال العام المقبل بنحو 1% ليتراجع إلى 1268.1 دولار للأوقية بفعل توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية.
وعند تسوية تعاملات الجلسة قبل الأخيرة من العام الجاري، سجل سعر العقود الآجلة للمعدن الأصفر تسليم فبراير 1297.2 دولار للأوقية.