ما أسهل أن تشك.. وما أصعب أن تصدق.. نشأنا على فقدان ثقة بين الإعلام الرسمي والشعب.. السبب نكسة 1967.. أتذكر في أول إجازة في 3 نوفمبر 1973 سؤالا وجهه الوالد رحمة الله عليه لي.. «صحيح عدينا يابني.. ولا اليهود دخلوا السويس بعد العبور».. لم يكن الفيس بوك وقنوات الإخوان قد ظهرت قبل 44 عاماً.. لكن إذاعتي لندن ومونت كارلو تكفلتا بتشكيك المصريين في النصر والعبور استناداً إلى ثقافة انعدام الثقة التي أرساها أحمد سعيد.. مرت السنون وتم تدجين الإعلام الخاص كله تحت لواء واحد.. لكن بعضهم «دببة» قتلوا النظام وروجوا لماسأة البطل محمد الحايس وتحدثوا تماماً كقنوات الإخوان رغم أنهم رجال الحكومة.
لكن لأن الله لن ينصر الظالمين مهما سعوا، فقد تم تحرير النقيب محمد الحايس وتحول الخزي والأسى اللذان شعرنا بهما بعدما صال وجال أحمد موسى بالفيديو المزيف إلى كبرياء وعزة ونصرة تأكيدا على قدرة شباب الوطن في القوات المسلحة والشرطة على انتزاع النصر والسؤدد من براثن الفشل والتخبط.. ولكن قبل التعرض لعملية تحرير الضابط البطل يهمني أن أنوه إلى أن تحرير الأسرى من أيدي خاطفيهم لا يعتمد على جيوش جرارة وأسلحة حديثة وصواريخ وطائرات، ولكن يعتمد على التدريب المتواصل ورفع كفاءة المقاتل في مناورات مع خصم وهمي يومياً بتغيير طرق الخطف والتحرير.
أمريكا فشلت في تحرير 52 رهينة محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران عقب الثورة الخومينية في نوفمبر 1979 رغم القيام بعملية عسكرية واسعة بالمارينز إلا أنهم فشلوا وتم قتل بعض الأفراد من قوة الاقتحام وأسر بعضهم ولم يتم الإفراج عنهم إلا في فبراير 1981.. روسيا فشلت في تحرير عشرات من الجنود السوفييت اختطفهم المجاهدون الأفغان من 1981 حتى 1988 أثناء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.. حتى إسرائيل التي كانوا يضربون بها المثل في تحرير الرهائن خصوصاً بعد عملية عنتيبي في أوغندا منتصف السبعينيات والتي توفي فيها شقيق نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل حالياً، فشلت في تحرير جلعاد شاليط الذي اختطفته حماس رغم كل الغارات التي قامت بها على غزة وهدمتها على رؤوس أهلها وحولتها إلى أنقاض.. إذن المسألة متعلقة بالقدرة الشخصية على استخلاص المعلومات من عدو غير مرئي لك.. وسط صحراء شاسعة باتساع الأفق ثم التخطيط الدقيق والتنفيذ الأدق.. وقبل هذا كله وبعده عزيمة المقاتل وثقته في قيادته.
لعلنا نتذكر اختطاف 13 جندياً مصرياً في سيناء أيام الرئيس المعزول محمد مرسي وعبارته الخائنة «نحرص على سلامة الخاطفين والمخطوفين».. كان الجيش أيضاً هو الذي أنقذ المخطوفين والذين كان الهدف من خطفهم هو الفيديو الذي صوروه لهم يستنجدون بالرئيس الإخواني ويحطمون ثقة المصريين في جيشهم.. وقتها عرف الجيش المنطقة التي احتجزوا أبناءنا فيها وأبلغوهم أن منازلهم ومخابئهم ستدمر عن آخرها إذا لم يتم إطلاق سراح الجنود.. وقد كان.. ويذكر للجيش أنه لم يستأذن مرسي ونفذ العملية.
يوم 30 يونيو 1967 بعد الهزيمة القاسية للجيش وانسحابنا ألقت الطائرات الإسرائيلية منشوراً على جزيرة رأس العش الموجود بها قوة صاعقة لا تتعدى 50 فرداً للاستسلام وأخذهم أسرى.. لكن الأبطال صمدوا 7 ساعات وأذاقوا العدو مرارة الهزيمة وعجزت إسرائيل عن احتلال الجزيرة لكثافة النيران وصمود الأبطال وانهزم الغرور اليهودي وكانت هذه المعركة أولى بشائر النصر.. إن اختطاف النقيب الحايس كان يستهدف تشويه الجيش والشرطة المصرية وتصوير فيديو له وبثه على القنوات المعادية تماماً كما حدث يوم 12 نوفمبر 2014 عندما حاول تنظيم أبوبكر البغدادي اختطاف زورق حربي مصري من أمام سواحل دمياط، وتم إحباط المحاولة التي لو نجحت لكانت ضربة قوية لدولة 30 يونيو التي أزاحت الإخوان وبدأت الحرب على الإرهاب.. كان الهدف إجبار السلطات على الإفراج عن بعض أعضاء الجماعة المحظورة المعتقلين.
وتبقى نقاط مضيئة في هذه العملية الناجحة أولها: تفنيد التشكيك بأن هجوم يوم 31 أكتوبر استهدف الإرهابيين الذين نفذوا مذبحة الواحات، وأن من تم استهدافهم وتنفيذ العملية ضدهم هم فعلا إرهابيو الواحات.. وثانيها: أن عملية 31 أكتوبر جاءت بعد تغيير رئيس الأركان بـ24 ساعة، مما يدل على أن هناك خللا ما حرص القائد الأعلى للجيش على معالجته وقام بتفتيش حرب مفاجئ للاطمئنان على دقة العملية التي تم التخطيط لها.. وثالثاً: أن هذا التنفيذ المتقن والدقيق أعطى الشعب ثقة بأن أي أسير أو مختطف يحتمل عودته بعد قتل خاطفيه لكنه في الوقت ذاته يطرح التساؤل المشروع وهو أننا إذا كنا بهذه الدقة واليقظة وإمكانية جمع المعلومات بتكنولوجيا جديدة فلماذا تأخرنا حتى حدث ما حدث.. من الآن فصاعداً ممنوع على بعض الإعلاميين الحديث «بفتحة صدر» كأنهم العالمون ببواطن الأمور وهم أبعد ما يكون عن ذلك.. فهؤلاء هم من زرعوا الشك عميقاً في النفوس وزعزعوا إيمان كثيرين في الوطن، وإذا كنا قد وصلنا إلى بر اليقين فلا ينبغي أن نترك للجهلاء أو المهملين أو من لا يجيدون التخطيط إعادة الشك إلى نفوسنا فننجرح من مأساة لأخرى.. نشكر من ثأر لكرامتنا الجريحة ومشاعرنا الحبيسة وكل التهنئة لأسرة الحايس والعزاء لباقي عائلات الشهداء.. فقد تم الأخذ بثأركم.