الكاتب : سقراط |
02:00 am 28/02/2024
| رأي
| 1126
مجرد رأي..ذكري مبارك.. ومحمكة التاريخ
مهما اوتي البشر من علم وتعليم وثقافه يظل التاريخ بأحداثه و عبره هو المعلم الاول للبشرية منه يعرفون ويتعلمون ويتعظون أيضاً. من يجهل محطات التاريخ ويتغافل عن دراستها والتفكر في احداثها ونتائجها فأنه يفقد بوصله مؤشرات المستقبل .تتفق او تختلف مع هذا الرئيس فقد كانت حياته و لحظات رحيله علامات فارقه في تاريخ مصر المعاصر . لم يعرفه اكثر الشعب سوي رئيساً لهم وربما لا تعرف او تتذكر بعض الاجيال الشابة انه كان قائدًا للقوات الجويه . هو احد ممثلي الدولة العميقة المصرية في اوضح وجلاء صورها . كان مثالاً للإلتزام العسكري والوطني والوظيفي . تداخل بهدوء في عمق دولابها الاداري والعملي والسياسي وهو لو تعلمون دولاب هائل لا باب له ولا نافذه . دروبه متعددة ومنحنياته صعبه و كثيرة وخفاياه لا تحصي . وجد نفسه نائبًا للرئيس بقرار من السادات . رأي فيه ربما مالم يراه احد غيره وكان للضربة الموجعه التي تلقتها اسرائيل على يده مكانة خاصة في نفس السادات . كانت احلام الرجل قبل ذلك متواضعه و اقصى امانيه ان يكون سفيراً لمصر في لندن فقد كان يميل الى طريقة حياتهم الجادة بما فيها من برتوكولات صعبة وظل مرتبطاً بهم حتي في زيه الرئاسي الذي كان يرتديه .
——————
حاز علي ثقة السادات واوكل له مهمات التعامل مع الاخوة العرب لقدرته وهدوئه اللا متناهي في استيعاب نقاشهم وجدالهم الذي لا ينتهي ولم يكن للسادات طاقة عليه . توطدت علاقته معهم واصبح صديق للجميع وخاصة مع القادة السعوديين . اصبح رئيساً بين عشيه وضحاها بعد اغتيال السادات المفاجئ. تحمل هموم البلاد في وقت عصيب حاولت فيه الجماعات الاسلامية نشر الفوضى والتحكم في مصير الوطن وخاصة من جماعات العائدون من افغانستان وغيرهم واكمل تنفيذ بنود اتفاقيه السلام مع اسرائيل . كانت العشرية الاولى لحكمه هادئة فرض فيها قواعد الامن والنظام و اسس لسيطرة الدولة العميقه علي مقدرات الوطن وهو توجه وطني له منطقه و اثره . اتاحت صداقاته مع الزعماء العرب له رصيداً كبيراً من المساعدات والاطمئنان على سير الحياة الطبيعية في بلده . لم يكن يحب المغامرة وكانت خطواته محسوبه وبطيئة دخل معركة (طابا) القانونية الطويلة وانتصر فيها واعادها لحدود للوطن وكان له دور كبير في اعادة (الكويت) لأهلها . لم يهتم كثيراً بمشروعات تحويليه كبري او اجراء اصلاحات هيكليه هامة يحتاجها الوطن قدر اهتمامه بالاستقرار و تلبية احتياجات الناس اليومية . فرض منطق الرئاسة الابوية الذي يعرف مصلحة ابناؤه ويعمل علي توفير سبل اعاشتهم وتغني به وبأسمه الشعب في مناسبات عديدة وكان من اهمها اغنية الهضبة ( واحد مننا ) واوبريت ( اخترناه) .
—————
لم يتنبه الي ان الشعب يتزايد بطريقة اسرع كثيراً من خطواته للتنمية وان اجيال اخرى قد تنسمت هواء الحياة بيننا و لديها احتياجات و نمط استهلاكي مختلف عما تعودناه في حياتنا وانتشرت العشوائيات والاعمال الخدمية السهلة و لكنه استطاع ترويض كل ذلك .
——————
مرت السنوات وهو يعيش فيها مع الناس وتعيش الناس معه و يسير قطار الحياه بهم بنفس الهدوء والرتابه حتي وصل الي مرحله السكون التام . تقدم في العمر وظهرت في الافق هذه الاجيال و الافكار الجديدة وهو ما لم يستوعبها كلاً من فكره جهده . استغل هذا بعض افراد اسرته من الشباب المتوثب الطامح وفرضوا عليه سياجاً منيعاً من رجالات الثروة والنفوذ تناسب افكارهم متغيرات الزمن و تنافس رجال الحرس القديم من حوله . تضخمت ثرواتهم وتدخلوا في مقادير الحكم واصبح المجتمع منقسماً بصورة فجه بين طبقه ثريه تملك كل شئ واخري تعيش بالكاد علي فتاتهم .
—————
كان عام ٢٠٠٥ فرصه ذهبيه له في تدوال الحكم سلمياً بعد ان ناهز الثمانون من عمره . ولكن كلمة المصالح كانت اقوي وفرضوا عليه البقاء . كانت وفاة حفيده ضربه قاصمه لنفسه وشعوره وفقد الرغبة في كل شئ. وهنا حانت الفرصه عملياً وفعلياً لمن اصابهم الملل من طول عهده وبدأت تظهر في الافق بوادر المعارضة الحقيقية له و تجمع حولها بعض المنظمات المموله من الخارج مثل ( كفاية) و ( ٦ ابريل ) والنقابات الكبري . حانت لحظه الانفجار التي لم يحسب له حساباً فقد كان مازال علي قناعته بأنه الاب محل تقدير وتبجيل ابناؤه . فوجئ بالخروج الشعبي الجارف طلباً للتغيير وكان الملل الذي اصاب الناس وفقرهم هو وقود ذلك الخروج بلا جدال .لم يقاوم الرجل أبداً واعلن انه لا رغبة له في الاستمرار وسلم السلطة طواعيه للمجلس الاعلي للقوات المسلحة للحفاظ علي الدولة فهو احد اعمدتها وعميد قوتها العميقة بلا منازع ويعي تماماً الجهة القادرة على حفظ البلاد من براثن الفوضي والتقسيم .
————-
الجميع يعلم ما تلي ذلك من احداث و التي اصبحت فصلاً كاملاً من (الفرص الضائعه) في سجلات التاريخ . لا ينكر احد علي هذا الرجل وطنيته وقوة شخصيته ولكنه اضاع الكثير من الفرص كان لها ان تعفينا من اهوال الفوضي التي عشناها وقفز الاخوان كالأفاعي علي حكم البلاد. ———-
دروس عميقه رسمت ملامحها علي وجه مصر العتيق .(بهيه) الصابره ذات الوجه الاسمر الطيب يجري فيه النيل مثل تجاعيد الزمن الغائره . اعطت لابنائها الكثير وتحملت منهم اكثر ودموعها تجري حسرة علي ما فعله ابناؤها بها وبأنفسهم . علمتنا الاحداث المريره ان قواتنا المسلحه ستظل الباب العالي و الاخير امام هجوم دعاه الفوضي وعقوق الابناء وطمع الاعداء والاصدقاء أيضاً . علمتنا الايام انه لن يبني هذا الوطن سوي ابناؤه ومن حر كدهم و اموالهم وان الاستثمار النهم شر مستطير . علمتنا الايام ان الشعب يجب ان يعمل ليجد كل فرد فيه ما يغنيه عن السؤال و البلطجه و تحين نزعات الفوضي . علمتنا الايام ان نفهم بعضنا بعضاً وان نوازن بين طبقات الشعب ومفاهيمها واحتياجاتها المختلفه فما قد تراه انت نافعاً يراه البعض شراً مقيماً لا فائده ترجي منه . علمتنا الايام ان نأخذ بيد الفقراء وان يكونوا معنا في نفس القارب وان نشاركهم احلامهم وامالهم البسيطه فإهمالها و تجاهلها توردنا موارد التهلكه.
————-
ستظل ثلاثون عاماً من عهد مبارك ونهاية حكمه درساً لكل ذي وعي وبصيرة . رحمه الله الخبير بنفوس و ضمائر عباده . وسيظل ( مبارك ) بالتأكيد (واحد مننا) بما له وما عليه فهو مصري أولاً وأخيراً حارب من اجلها وضمه ثراها . وستبقي محكمه التاريخ منعقدة حتي اشعار اخر .
والسلام ،،
سقراط