الكاتب : سقراط |
05:25 am 22/02/2024
| رأي
| 948
هناك الكثير من حقول البترول والغاز حبيسه في هذا العالم لا قيمه لها بدون المرور علي منافذ بعينها لتتمكن من العبور للإستهلاك او التصدير . وتعاني البلدان الداخليه التي تفتقد للموانئ البحريه من هذه المشكله الخطيره التي تمثل اهميه استراتيجيه لها لتتواصل مع العالم الخارجي و يصل انتاجها الي مناطق الاستهلاك . وهناك من الامثله القريبه منا وفي منطقتنا تحديداً . فدوله جنوب السودان هي دوله داخليه تقع جميع حدودها مع دول لا موانئ لها وتنتج البترول الخام الذي تتحكم في تصديره السودان الشمالي عبر ميناء بور سودان وذلك نظير تكلفه باهظه عن كل برميل . وتأتي اثيوبيا كمثال اخر كدوله لا حدود بحريه لها وتعتمد بشكل اساسي علي جيبوتي واريتريا لتصدير منتجاتها واستقبال البضائع المستورده من الخارج وتتحكم هاتين الدولتين في كل ما يخص الاقتصاد الاثيوبي الي حد بعيد اذا ما قررت وقف استقبال بضائعها. و تحاول اثيوبيا حالياً ان تجد لنفسها موضع قدم علي البحر الاحمر في منطقه المتمردين في دوله الصومال وهو ما تقف ضده مصر بكل حزم .اما بالنسبه للغاز فيلزمه تسهيلات وخطوط انتاج وشحن ومحطات متقدمه لإسالته و تصديره للخارج علي هذه الصوره والا اصبح عديم القيمه . ويخضع لهذه الحاله الغاز المنتج من الحقول الاسرائيليه الموجوده في شرق البحر المتوسط . كثير منا يعتبر ان استيراد الغاز الاسرائيلي في مثل هذه الظروف هو امر يثير الامتعاض نظراً لتورطها في حرب علي حدودنا الشرقيه ضد المدنيين . ولكن النظره المنطقيه لمثل هذه العمليه تدرك انها ورقه ضاغطه علي الاقتصاد الاسرائيلي بشكل كبير . فبدون تدفق هذا الغاز عبر الاراضي المصريه يصبح عديم القيمه ولا يمكن لهم الاستفاده منه علي اي شكل . استهلاكهم يقل عن قدرتهم الانتاجيه ولديهم فائض كبير . حاولوا كثيراً مع بعض اصدقاؤهم من اخواننا العرب ان يتجنبوا تأشيره الدخول المصريه والابتعاد عن المحطه المصريه وذلك باقتراح وحدات تسييل عائمه ولكنها فكره علي مايبدو لم تثبت قدرتها الاستيعابيه والفنيه وبالتالي جدواها الاقتصاديه . حاولوا مد انبوب تحت البحر في اتجاه اليونان مباشره ولكنها اصطدمت أيضاً بالحدود البحريه المصريه علاوه علي تكلفتها الهائله وطول الوقت اللازم لتنفيذه والتدابير الفنيه اللازمه لتلك العمليه والتي تبدو اكبر بكثير من القدره الفنيه للمشغل الرئيسي عندهم ( شيفرون) . و لذلك ظلت مصر هي النافذه الوحيده واقربها لخروج هذا الغاز الي العالم. مصر تستفيد منه بكل تأكيد في تعويض انخفاض الاستهلاك المحلي وخاصه في تغذيه المحطات الكهربيه وتسيل الفائض منه وتصديره . لا يوجد في الاقتصاد غرام وانتقام وربما تجبرك الظروف علي التعامل مع من تكره فهي مصالح ومنفعه متبادله بالدرجه الاولي . فاذا كانت اسرائيل تستفيد من تصدير غازها فمصر أيضاً لها مصلحه مباشره في استقباله و تصديره . ويخطئ من يتصور ان الغاز الاسرائيلي هي كارت ضاغط علينا ولكن العكس صحيح تماماً فهو ورقه ضاغطه وبعنف علي الاقتصاد الاسرائيلي ومصر هي من تتحكم فيه بشكل مطلق حتي الأن . فاذا افترضنا توقف مصر عن استقباله واستيراد الغاز من مصدر اخر فسيكون ذلك كارثه محققه علي الاقتصاد الاسرائيلي وأيضاً ستتحمل مصر اسعار اغلي واوقات توريد اطول واعاده استخدام محطات تحويل السائل لغاز مره اخري . ولعلك تري التوتر القائم علي الحدود بين الدولتين علي الرغم من وجود علاقات بينهم تمتد لاكثر من خمسون عاماً وكذلك ما قامت به مصر في مرافعتها الناريه في محكمه العدل الدوليه لتوضح للعالم خطوره ما تقوم به اسرائيل في الارض المحتله يسير في اتجاه وان العلاقات الاقتصاديه تسير في اتجاه اخر لأن الطرفين مستفيدين من هذه العلاقات ولا يحاولان المساس بمصالحهم فيها . ولك ان تري في ذلك مثالاً واضحاً في الخط البري الذي انشأه العرب لأمداد اسرائيل بالبضائع بعد تعرض السفن المتجهه الي اسرائيل لخطوره داهمه للسفن في البحر الاحمر علي الرغم من خلافاتهم مع اليهود في مشكله غزه . ربما تشكل مثل تلك العلاقات الاقتصاديه خط الدفاع الاخير لضبط الايقاع معهم وسبيل للردع وعدم التهور في الدخول في نزاع كبير سيخسر فيه الجميع وستكون نتائجه كارثيه لأن مصر ستكون في المواجهه وسيختفي الاخرين كالمعتاد . بلا شك اقتصادهم يعاني من صعوبات كبيره نتيجه لتلك الحرب واقتصادنا منهك بما يواجهه من تخطيط محكم من العديد من الاطراف للضغط علينا . الوضع شائك ومعقد ولا تعتقد ان اتخاذ قرار ما في مثل هذه الظروف بالسهوله التي تتخيلها فالاعتبارات الاجتماعيه والامنيه لمجتمع مستهلك ضخم مثل مصر يجب ان تكون له معايير متعدده ذات ابعاد مختلفه وبها الكثير أيضاً من التضحيات وضبط النفس للحفاظ علي الاستقرار .
والسلام ،،
سقراط