للاعلان

Sun,24 Nov 2024

عثمان علام

مجرد رأي .. زمن خارج صفحات التاريخ

مجرد رأي .. زمن خارج صفحات التاريخ

الكاتب : سقراط |

01:16 pm 21/11/2023

| رأي

| 1344


أقرأ أيضا: Test

مجرد رأي .. زمن خارج صفحات التاريخ 

 


اندفعنا بكل ما نملك من قوه الي تغيير نمط حياتنا واتجهنا للعيش في المدن الجديده والفيلات الواسعه والشوارع العريضه و المحلات ذات الاسم والرنين . انكفأ كل منا علي حياته محاولاً مجابهه تكاليف هذه المعيشه التي لا تدخر وسعاً في امتصاص اي دخل مادي نحصل عليه . الجميع هناك صامتين يدخلون ويخرجون في هدوء ، لا قابليه عندهم لتعارف او الدخول في اي علاقات اجتماعيه . تغلق الابواب الحديديه العاليه لتصبح المنازل اجمل واشيك سجون طوعيه  في بر مصر . تربه التاريخ جفت لا يمكن لأي نبته ان تنمو او تترعرع فيها . التاريخ هو حياه انسانيه متكامله يلعب فيها الزمان والمكان والانسان ادوار البطوله ينسج الحاضر من احداث ومواقف لتكون فيما بعد صفحه من صفحات التاريخ للأجيال القادمه . فاذا تفرقت هذه العناصر فلا حاضر ولا تاريخ ولا حتي ذكريات . ارجع بذاكرتك للخلف قليلاً لتجد انك تعيش تاريخ مصر الجميل بأجيالها المتعاقبه في (ليالي الحلمية)  و (زيزينيا)    و (رأفت الهجان) وغيرها الكثير . تشعر وانت تشاهدها بالسعاده وتدفق الذكريات . كلها احداث واقعيه من عمق المجتمع المصري سطرته الاحداث واصبحت تاريخًا للدراسه والتأمل و يحوط  ذلك كله عبقريه المكان بلا جدال . اماكن حفرت اسماؤها في التاريخ و بما حفلت به  ومر بها من احداث وإنسانيات . لا يمكن لذاكرتك ان تنسي الحلمية والقبه والجماليه والمعادي السرايات والضاهر  واحياء الاسكندريه الجميله ومصر الجديده وكثير من الاماكن في المحافظات المختلفه . لكل منها رونق ومذاق يختلف عن الاخر استمدّته  من طبيعه المكان واحداثه وسكانه وستخسر كثيراً  لو اعتبرت هذه الاعمال نوعاً من خيال الكاتب او وقت للترفيه  , ستخسر شكل من اشكال الحياه وخبرتها وقوه تأثير ما تقوم به من افعال خلال حياتك . العالم يدرك اهميه ان  يحط العظماء في مكان لأن هذا المكان سيظل مرتبط به عبر العصور . مقهي (نجيب محفوظ)  مازال يحتفظ بأسمه ومقعده والطاوله التي كان يكتب عليها . تشعر بوجوده وانفاسه في المكان حتي بعد ان غادر حياتنا.  مكتب عباس العقاد وتوفيق الحكيم هي علامات باقيه علي مر العصور  . مقاهي اوروبا وخاصه باريس تفتخر بمقعد سارتر و كثير من مقاعد ألأدباء العظام  للادب الفرنسي والتي حظيت بتواجدهم فيها في ايام بعيده . ظلت هذه الاماكن علي  عهدها وظل  اجراء ايه عمليه تجديد بها  ولها تعتبر خيانه للتاريخ. تشعر بنسائم الست ام كلثوم في مسرح الجمهوريه العتيق والانيق  في منطقه وسط المدينه بالقاهره وهي تتغني بأروع الالحان امام الرئيس عبد الناصر . قصور الراحله العظيمه الملكه اليزابيث شاهده علي عظمه الامبراطوريه الانجليزيه العريقه في لندن واسكتلندا وغيرها لم تقم بأجراء ايه تغييرات عليها فهذا يعتبر من المحرمات . كما تري عزيزي القارئ ان الحاضر الذي يؤول للتاريخ هو دليل علي عظمه وجمال الحاضر ومن ثم التاريخ . التاريخ هو ضمير الامم ومشاعرها وعندنا منه الكثير والمثير والعظيم أيضاً.  ولكننا توقفنا فجاءه عن كتابه التاريخ واهملنا ما نملكه فعلياً منه وتناسينا صنع الحاضر الجميل الذي سيكون نواه لتاريخنا وانبهرنا بمباني دول البترول الشاهقه واعتبرناها دره التاج وحاولنا محاكاتها عندنا  وهي مباني  بلا روح ولا ذكريات ولن يكون لها تاريخ . ارجو ان لا تعتقد ان اتفنن في انتقاد المباني الحديثه والطرق الواسعه والحياه الحديثه بصفه عامه فليس هذا الهدف . ولكن الهدف ان كل هذا بدون شخصيات واحداث عظيمه ونسيج انساني متنوع يذكره التاريخ لن تكون سوي مباني خرسانيه للنوم والراحه وربما يصيبك  فيها بالملل والاختناق .  هذه المباني لن تكون في يوم من الايام ذات عبق وعطر من الذكريات واحاديث ذات شجون . لن تعطينا في المستقبل  (ليالي التجمع)  او (الرحاب)  وما الي ذلك .  ينقصها النسيج البشري المتكامل بكل ما يحويه من ادب وفن وعلم وسياسه وليس مجرد العمل وجلب المال .  ونحن نتساءل لماذا ذهب كل ذلك من نفوسنا وعقولنا ؟ و هل انتهي عصر العظماء والمبدعين الي غير رجعه ؟ هل انتهي الحس الادبي والفني لدي الناس فأصبحوا اكلين شاربين وكفي ؟ . هل هذه هي الحياه التي نبغاها والتي تخلو من كل معانياها الساميه وفنونها الجميله ؟ .  لو كل هذا صحيحاً فأن العيب ليس في المباني الحديثه ولا الطرق الواسعه ولكن العيب سيطر علينا نحن عندما تخلينا عن اغلب مفردات الحياه وحبسناها في مجرد ما نشعر به من ماديات صريحه تغدي فينا احاسيس مختلفه عن تلك التي كانت تعمر بها الازمنه الجميله . وأخيراً ها انتم ترون اهل غزه الجريحه يقعدون علي اطلالها بلا اي جزع . هم مرتبطون بالارض التي شربت من دمائهم وعاشت معهم اجمل ذكريات الكفاح والاهل والاصدقاء . عاشت معهم ليالي رمضان واعياد الميلاد المجيد . لا تتعجب وانتم ترونهم يجلسون علي الاكوام فهي اكوام الذكريات وانفاس الاحباب وليست اكوام من الطوب والحجاره . لا يهمهم في ذلك انها لم تكن مباني شاهقه وشقق فاخره ولكنها كانت بسيطه زهيده ولكنها عامره بالروح والذكريات وهذا اهم وأبقي وسيدون التاريخ ذلك بأحرف من نور  . 
لا تجعلو التاريخ يتوقف في زماننا .  علمو ابناؤكم الفنون كما تعلموهم فنون العلوم والحساب والكمبيوتر . علموهم فن القراءة والكتابه في الادب والتاريخ ، علموهم تاريخ العظماء  وتكلمو معهم عن كل ما فعلو وكيف تحملو ، علموهم فن التعامل والتواصل مع الناس بالموده والاحترام  لا الانعزال والنفور ، علموهم الرحمه مع المحتاجين والتعامل الصحيح مع البيئه و حتي مع الحيونات المحيطه بهم . علينا ان نحاول بناء جيل جديد يخلو من الجفاف العاطفي والانساني الذي اصبح مستشري بدرجه مخيفه . ربما عندها يغير التاريخ وجهته ويعود الينا ليكتب صفحاته من جديد. 
والسلام ،، 
سقراط

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟