04:32 am 03/10/2023
| رأي
| 1703
فى المقال السابق تناولنا كيف يتكون الفحم وأماكن تواجده وأنواعه, وفيما يلى نستعرض بالتفصيل تاريخ الإستكشاف وطرق التنقيب والإستخراج والإحتياطيات.
إكتشاف الفحم فى مصر
بدأ البحث عن الفحم فى مصر سنه 1844م بحفر بئر الرديسية قرب مدينة إدفو، حيث وجدت بعض رقائق فحمية بتيومينية ليست ذات قيمة اقتصادية , وخلال الفترة بين 1903 - 1906 قامت عدة شركات بأعمال الحفر فى أماكن مختلفة من صعيد مصر وشبه جزيرة سيناء , ولكن لم تسفر عن وجود طبقات حقيقية من الفحم يصلح للاستغلال الأقتصادى .
بعد اسكتشاف البترول والبدء فى التنقيب عنه بشبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية تضمنت تقارير الحفر بيانات دالة على وجود مواد كربونية ضمن طبقات الصخور الموجودة تحت سطح الأرض فى الآبار وعند أعماق تتراوح بين 440 متراً فى منطقة عيون موسى إلى حوالى 3000مترا في وادي النطرون .
وعندما أنشئت وزارة الصناعة سنه 1956م تم تشكيل لجنه للفحم , وعلى أثر ذلك كان هناك إهتمام كبير لدراسة نتائج الأبحاث السابقة لمعرفة توزيع المواد الكربونية بطبقات الصخور فى مختلف المواقع والآبار , ودراسة الصخور الحاملة للفحم لإمكان التعرف على الظروف الجيولوجية التى تكونت تحتها .
وقد بدأت هذه الدراسة بدراسة عينات الحفر من آبار عيون موسى والتى قامت بحفرها شركة الزيوت, وتبعاً لنتائج هذه الدراسة بدأ مشروع الفحم أبحاثه منذ عام 1957م . وقامت بتنفيذه مصلحة الأبحاث الجيولوجية حتى يوليو 1962م .وتركزت أعمال الأبحاث التى قام بها المشروع فى ثلاث مناطق بشبه جزيرة سيناء هى : عيون موسى , المغارة , بدعه وثورة .
في التاسعة مساء 18 ابريل 1959 وعلى ضوء مصابيح الجاز عثر الباحثون المصريون على أول قطعة فحم في منطقة المغارة بوسط سيناء، وكانت قطعة الفحم التي اشعلت الحماس وأضاءت الطريق لاكتشاف أكبر منجم للفحم في الشرق الأوسط.
مقتطفات نشرتها الصحف المصرية عن الاكتشاف:
جريدة الأخبار بتاريخ 14 /12/1965 ذكرت: ( في حياته قصة حب كبيرة ، فقد أحبها منذ طفولته وبقي بجانبها حتى مطلع شبابه وكشفت له عن كل أسرارها وبذلك استطاع أن يفوز بجائزة الدولة التشجيعية في العلوم الكلام عن درويش مصطفى الفار.
والحب الذي شغفه هو حبه لصحراء سيناء الأرض الصفراء التي يعرف لغتها فكشفت له عن كل أسرارها" . وتابعت الأخبار:وفي كتاب مصر عن قرب الذي صدر في السويد للكاتبة فيفي تاكهولم قالت:{ يجب أن تقيم الأمة المصرية تمثالاً لتكريم الجيولوجي درويش الفار الذي اكتشف الفحم في جبال المغارة بصحراء سيناء}.
وفي 17/5/ 1967 كتب جمال بدوي في جريدة الأخبار تحت عنوان:" حكاية درويش في العريش:( سأحكي لكم اليوم قصة درويش من العريش إنه أحد المعالم الهامة في شبه جزيرة سيناء مثل دير سانت كاترين وعيون موسى وجبل الطور.
كل أبناء سيناء يعرفونه ويفخرون به اسمه: درويش وله من اسمه نصيب كبير، فكما يعيش الدرويش هائما على وجهه في الفيافي والقفار مدفوعاً بقوة غامضة يعيش هذا الرجل باحثاً عن الحقيقة الكامنة في جبال سيناء. من تراب الجبال ولد وعلى قممها تفتحت عيناه وفي وديانها دبت قدماه .
لقد أرهبه صمتها وصمودها. واهتزت نفسه المرهفة أمام عظمتها وشموخها. ماذا يمكن أن تروى هذه الجبال إذا تكلمت وأي سر تخفيه في أعماقها؟.
وبعد 4 سنوات قضاها في قسم الجيولوجيا في كلية العلوم تخرج بعدها في عام 1950 وعاد إلى سيناء متسلحاً بالعلم ليجوب الصحراء ويرتقي قمم الجبال .
زاده لقيمات جافة ومسكنه خيمة من القماش وأسلحته بضع أدوات معملية بسيطة ورفاق الطريق كانوا ثلاثة يقضون النهار في جمع ما تقع عليه أعينهم من الحجارة الغريبة، ويقضي هو الليل يفحصها ومرت سنوات دون أن يصل إلى مبتغاه. كان واثقاً من عظمة الأسرار التي تحتويها هذه الجبال حتى كان ذلك المساء الذي عاد فيه الرجال وفي جعبتهم بعض الأحجار التي جمعوها من جبال المغارة وأمسكها درويش الفار ليفحصها وقربها إلى العدسة وأحس بدوار في رأسه إنها قطعة فحم وسألهم عن المكان الذي جلبوا منه الأحجار قالوا: إنه يقع على بعد 5 كيلومترات عن المكان الذي يقيمون فيه. ولم ينتظر حتى تشرق الشمس وإنما أوقد الكلوبات وذهب معهم إلى حيث أشاروا، وامتدت يده لتفحص سطح الجبل وتكحت القشرة الظاهرة، فاكتشف أنه أمام طبقة من الفحم. وفي الصباح أرسل العينات إلى معامل وزارة الصناعة، وجاءت نتيجة الفحص تؤكد: إنها إحدى تكوينات الفحم وتطلب المزيد من العينات من أماكن متفرقة.. وتوالت العينات على معامل الوزارة وتوالت الاختبارات لتؤكد اكتشاف منجم للفحم في سيناء. وتقديراً لجهود ابن سيناء تم ترشيحه للحصول على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم وقد تسلمها من الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم عام 1964م).
مشروع منجم فحم المغارة:
تتواجد مجموعة من طبقات الفحم في قطاع يصل سمكة إلي حوالي 100 مترا من الصخور التابعة للعصر الجوري الأوسط. ويتراوح عدد هذه الطبقات بين 4 الى10 طبقات تختلف في سمكها من عدة سنتيمترات إلي ما يقرب من مترين . وأهم هذه الطبقات طبقتان تعرفان بالطبقة العليا والطبقة الرئيسية. وترجع أهمية هاتين الطبقتين إلي وصول سمك كل منهما إلي السمك الاقتصادي الذي يمكن من استغلالها، ويفصل بين الطبقتين طبقات من الحجر الرملي والطفلة والحجر الجيري بسمك بين 6 و 12 متراً . ويتراوح عمق طبقات الفحم ما بين 40 الى 400 مترا . وفيما يلي وصف هاتين الطبقتين :
الطبقة العليا : يصل سمكها إلي 60 سم في حقل المغارة ويتراوح سمكها بين 65 الى 135 سم في منطقة الركب غرب حقل المغارة . وهي تغطي جزء كبير من الحقل ولكن يقل سمكها في بعض الأجزاء لتصبح كبقية رقائق الفحم الأخرى .
ونظراً لصعوبة استغلالها مع الطبقة الرئيسية بطرق الميكنة الكاملة فأنها لم تدخل في حساب الاحتياطيات المقرر استغلالها وحيث أنها أكبر سمكا من الطبقة الرئيسية في منطقة الركب, فأنها تعتبر هي الطبقة الاقتصادية بعكس منطقة المغارة
الطبقة الرئيسية: يتراوح سمكها في منطقة المغارة بين 110 الى 190 سم بمتوسط سمك 135 سم وهى تغطى الحقل بأكمله ويعتريها التغير في بعض أجزائها من ناحية احتوائها على متداخلات من الطفلة أو الحجر الرملي .أما في منطقة الركب فقد تفرعت إلى عدة ثنايا رقيقة يفصل بينها الحجر الجيري والطفلة .
ومن الدراسات المكثفة على رواسب الفحم بمنطقة المغارة التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية فان احتياطي الخام يبلغ حوالي 52 مليون طن كإحتياطي جيولوجي ، أما الاحتياطي المؤكد فيبلغ 27 مليون طن منها 20 مليون طن قابلة للاستخراج أما في منطقة الركب فيبلغ الاحتياطي المحتمل 16 مليون طن ويتميز فحم حقل المغارة بأنه قابل للتكويك عند خلطه ببعض أنواع الفحم المستوردة .
المراحل التاريخية للمنجم: مر مشروع استغلال فحم المغارة بثلاثة مراحل هى ،
المرحلة الاولى ( قبل يونية 1967م)
تم اكتشاف الفحم فى هذه المنطقة فى أواخر الخمسينات بمعرفة هيئة المساحة الجيولوجية حيث تم تحديد طبقتين تمتد فى باطن الأرض فى مساحة قدرها 20 كم2 والى أعماق من 40 – 400 متر تحت السطح .
خلال الفترة من عام 1964 الى عام 1967 بدء فى إعداد اول منجم لاستغلال الفحم فى مصر حيث تم انشاء الممرات الرئيسية ( مزلقانات للنقل وبئر رأسى للتهوية ) وكذلك الممرات والطرق تحت السطح وإعداد واجهة لاستخراج الفحم بطول 100متر ، هذا بالإضافة الى المنشآت والمرافق الرئيسية على سطح الارض من ورش ومخازن ومحطة توليد كهرباء ومساكن وغيرها إلا أن العمل قد توقف بالمنجم فى يونيو 1967 بسبب العدوان الإسرائيلي .
المرحلة الثانية بعد تحرير سيناء
بعد استعادة مصر لسيناء ومنطقة المنجم عام 1980 ، تمت إعادة افتتاح منجم فحم المغارة عام 1982، وإعداد دراسة جدوى فنية واقتصادية عن المشروع بالاستعانة بأحد بيوت الخبرة البريطانية المتخصصة فى هذا المجال، وقدرت التكاليف الكلية للمشروع بنحو 112.4 مليون جنيه، منها 70 مليون جنيه كمكون أجنبي وهى تعادل 50 مليون جنيه إسترلينيا وافقت الحكومة البريطانية على تمويله، مع 12.5 مليون جنيها أسترلينى كمنحة لا ترد. الإنتاج السنوي 600 ألف طن قابلة للتسويق ويقدر عمر المنجم بحوالى 35 سنة ويبدأ الإنتاج في نهاية العام الثانى من بدء التشغيل بطاقة 125 ألف طن ويتدرج الى ان يصل 600 ألف طن فى نهاية العام الخامس .
في يـوم 11/7/1988م صـدر القرار الوزارى رقم 155 لسنـة 1988م بتأسيس شركة سيناء للفحم (شركة مساهمة مصرية) تتبع الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدنية .
الغرض من إنشاء الشركة : البحث عن الفحم وإنتاجه وتسويقه وما يتصل بذلك من عمليات .
رأسمال الشركة : ( 70 مليون جنيه ) مملـوك بالكامــل للهيئة المصرية الـعامـة للمساحــة الجيولوجيـة والمشروعــات التعدنية , وبتاريــخ 14 /11/1988م وافق مجلس الوزراء على نقل تبعية مشروع إعادة تشغيل منجم فحم المغارة والاستثمارات المعتمدة له إلى الشركة بدلاً من الهيئة المصرية الـعامـة للمساحــة الجيولوجيـة والمشروعــات التعدنية .
موقع المنجم : يقع منجم فحم المغارة فى وسط سيناء الشمالية على بعد حوالى (70كم ) جنوب غرب العريش.
سباب توقف العمل فى المنجم ترجع بحسب رئيس مدينة الحسنة الى التعثر وعدم وفاء الشركة أو التزامها بتسديد الأقساط المستحقة . تراكم الديون على الشركة وصل لـ3 مليارت جنيه وراء وقف المشروع كما أدى تراكم الدين الذى وصل لأكثر من 3 مليارات جنيه إلى قبول مجلس إدارة الشركة رفع توصية بتصفية الشركة.
الجمعية العمومية للشركة فى 23/5/2005 الذى أوصت بتصفية أعمال الشركة ، والمحافظة على المنجم لحين البت فى إعادة التشغيل من عدمه ، وإعادة توزيع العمالة على شركات القطاع العام بوزارة البترول وتصفية الجزء الأكبر من الشركة (انهاء عمل). وقد قامت الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية باستلام المنجم تحت الأرض ومعداته فى باطن الأرض.
وللحوار بقية الى اللقاء فى المقال القادم ...