الكاتب : سقراط |
05:58 am 30/09/2023
| رأي
| 1468
بينما كان شهر سبتمبر يلملم اوراقه ايذاناً بالرحيل انطلق صوت المذياع في ٢٨ من عام ١٩٧٠ بالنداء الخالد ( هنا القاهره) . السيد محمد انور السادات يلقي ببيان للأمة .
ينتبه الناس ويتحلقون حول المذياع لسماع البيان وينطلق صوت السادات حزيناً مكتوماً علي غير العادة قائلاً ( فقدت الجمهورية العربية المتحدة والامة العربية بل والانسانية كلها رجلاً من (اغلي) الرجال و(أشجع ) الرجال و(اخلص) الرجال الرئيس جمال عبد الناصر الذي جاد بأنفاسه في السادسة والربع من مساء اليوم ٢٧ رجب سنه ١٣٩٠ هجريه الموافق ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ .. الي اخر البيان ).
———
يصيب الناس حاله من الهلع غير مصدقه ما سمعته وتتدافع في امواج هادره عفويه لم يري لها العالم مثيلاً من قبل تحتضن جثمان الزعيم العظيم في اصرار غريب علي ان تضن به علي الارض الطاهره التي ستضمه الي الابد . اختلت مشاعر الناس وفقدت امانها فهذا الزعيم لا يجود بمثله الزمن . كان الصراخ يدوي من القلوب قبل الالسنه كانت الدموع ساخنه تجري جريان النهر في جدوله . الناس لا تصدق انها لن تري او تسمع هذا الزعيم بعد هذا اليوم . هذا الرجل الذي كان علامه فارقه لن تتكرر في تاريخ القطر المصري . ———-
وهكذا شيع جسد الزعيم في مشهد مهيب يصعب وصفه ارتجت له مصر وكل دول العالم حتي التي كان في حروب وخلاف معها وقفت حداداً تكريماً له فقد كان صديقاً شهماً و خصماً شريفاً . انه الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر) الذي لا تختصره الكتب ولا الكلمات . تلك الشخصيه التي ابهرت الحياه الانسانيه بكاريزما العظماء من اصحاب الانجازات المحفورة في وجدان و ذاكره الامم وتاريخها عبر اجيال واجيال . رجل ثوره يوليو الاول والتحرر من الاستعمار ، رجل وطني من الطراز الفريد و الخصائص النادره . كان وطنه هو قلبه النابض حرفياً . كان يستمد حياته من حياه وطنه عزيزاً قوياً . دخل حروب علي كل الجبهات من اجل شرف هذا الوطن واستقلاله وحريته . لم يفعلها اي زعيم اخر ولا يستطيعها سوي رجل بقدر ( ناصر) . حارب الامبراطوريه الانجليزيه بكل جبروتها ، حارب اسرائيل ولم ينكسر من خديعه و مسرحيه ما حدث في معركه ٦٧ وأعاد تأسيس الجيش من جديد . عاش مناضلاً ضد الاستعمار في افريقيا كلها فكان لهم زعيم يفوق غاندي في شهرته وخلوده. امدهم بالسلاح والسند المادي والمعنوي وانبري مدافعاً عنهم وعن حقوقهم في الاستقلال وموارد بلادهم المنهوبه في كل المحافل الدوليه . كانو يدينون له بالولاء ولم يمس احد منهم او يحاول اياً من مصالح لمصر في دولهم او في منابع النيل شريان حياه مصر . لم يتخلف عن الاشقاء العرب وساند الجزائر في حرب التحرير حتي أعلنت الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي الغادر. كان صديقاً للملك عبد العزيز مؤسس المملكه السعوديه وكان بينهم تحالف ذا شأن . كانت له ايادي و سياسات عميقه في سوريا و العراق واليمن وليبيا. اتجه بكل قوه الي تكوين منظمه( عدم الانحياز ) مع الهند ويوغوسلافيا ليقف ضد سياسات الهيمنه للدول الكبري وظل هذا التحالف قوياً وفعالاً علي مدار عشرات السنين .
———
اما في بلاده فحدث ولا حرج . اتجه الي التعليم المجاني حتي مستوي الشهاده الجامعيه . حافظ بقوه علي مستوي الطبقه المتوسطه في المجتمع وساندها اقتصادياً ومعنوياً لتكون هي الجدار القوي لهذا الوطن . اصبحت مصر دره الفن والثقافه في عالمها العربي بل وفي العالم وكان عهده هو عهد التنوير الحقيقي بوجود ثومه وعبد الوهاب والسنباطي و رامي وحليم ومحفوظ و هيكل والعقاد وطه حسين ويوسف ادريس وانيس منصور واحسان عبد القدوس ومجموعه لا تنتهي من عظماء الفن والثقافه جعلوا من مصر مناره فنيه وثقافيه يشار لها بالبنان . اتجه الي الصناعه الوطنيه بكل قوه فكانت شركات ومصانع القطاع العام العظيمه ذات باع كبير في كل مجالات الحياه الزراعيه والصناعيه والتجاريه والعسكريه . حققت الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات وظلت العمله الوطنيه قويه صامده بالانتاج المحلي وقله الحاجه الي العمله الاجنبيه . ظهر لأول مره شعار ( صنع في مصر) وكانت سيارات شركه النصر للسيارات تجوب البلاد بكل اناقه وجوده . كانت الناس تستمع الي مذياع وشاشه شركه النصر (تليمصر) و كان هو من اسس التلفزيون المصري عام ١٩٦٠ . كانت ملابس الناس وادويتهم وحتي اواني المطابخ واكواب الزجاج والاثاث والسجاد المنزلي كلها صناعه مصريه خالصه .
———
كيف استطاع هذا الرجل ان يصيغ هذه الانجازات في فتره حكمه القصيره نسبياً . كيف تحولت مصر من مزرعه يعمل فيها الفقراء للاستعمار والاقطاع الي مصنع كبير ودوله ذات شأن يهابها العدو قبل الصديق . كيف استطاع هذا الرجل ان يحل زعيماً ذو هيبه مخيفه عند زيارته لأي بلد خارج مصر ؟ كيف اصبحت اسم مصر يقترن باسمه واصبحت (مصر ناصر) . كيف استطاع هذا الرجل ان يستنفر قدرات وشعور الشعب كله للنضال ضد القوي الكبري ودخل به الحرب تلو الحرب دون خوف و اصبح بذل الروح طواعيه من اجل اسم مصر واحتراماً وتقديراً لزعامته .امتلئ العالم بالابحاث والدراسات عن هذا الزعيم وشخصيته وقوته وتأثيره الطاغي علي كل من حوله سواء من شعبه او قاده العالم . واذا كنت احترم هذه الدراسات والابحاث في تحليل شخصيه هذا الزعيم الخالد فأن وجهه نظري كمواطن بسيط لم يحضر او يعيش عهد ( ناصر) ان هذا الرجل قد تحلي بأخلاق الفرسان في رويات القرون الوسطي الذين يضحون بحياتهم من اجل المبادئ والكرامه والشرف ودون ذلك الموت. فارس قوي له فكر واضح ، نظيف اليد لمستوي الزهد . يحب وطنه لدرجه لا يعلوه فيها احد . صاحب كرامه وشموخ لا يخاف حرباً يكره الخنوع و الموأمه وانصاف الحلول فكان القائد والفارس في عيون شعبه . رفض املاءات الدول الكبري ورأسه مرفوعاً في السماء وشيد السد العالي بأموال المصريين وكان الجوع وشظف العيش ثمناً رخيصاً للكرامه الوطنيه وظل هذا السد الكبير هو الحامي لنا من غوائل ما يفعله الاحباش ألان.
——-
هذا هو ( ناصر) الذي ترك لمصر الامن والامان وحافظ علي شعبها ومستقبله بانجازاته الكبري التي ولدت وعاشت عملاقه .
——
علمو اولادكم تاريخ ( ناصر) الحقيقي بعيداً عن افكار الغوغاء والكارهين فهو تاريخ ناصع من الوطنيه والعظمه المصريه الغائبه . علموهم لأن اسمه علماً خفاقاً في سماء هذا البلد مهما غيبه الزمن فكل ذره من رمال هذا البلد شاهده علي خطواته وانجازاته وعرق شعبه عليها وفي صراخها المكتوم وهو يعوي اين انت يا (ناصر) من زمننا هذا . الارض التي احتضنت جسد هذا الرجل تصرخ لتظل مصر مرفوعه الرأس لا تطلب مساعده من لئيم ولا تقبل اهانه من قوي او غني ولا تأبه بالموت جوعاً أو عطشاً تحت اعلام الكرامه التي رفعها ( ناصر) الثوره عاليه خفاقه في سماء هذا البلد منذ اكثر من خمسين عاماً من عمر الزمان . هذا هو ( ناصر) ابن الجيش المصري العتيد صاحب القيم شديد المراس . ترك ارثاً هائلاً لاحفاده من ابناء هذا الجيش القوي من عزه النفس والكرامه وكانو عند حسن ظن (ناصر) بهم وحافظوا علي بلادهم ابيه عزيزه لا يجور عليها كائناً من كان اسوداً كان او ابيض .
——
رحم الله الزعيم وجزاه عن هذا الشعب كل ما يستحقه من رحمات فحب الناس هو من حب الله . وسيظل اسم ( ناصر) وسيرته باقيه خالده عبر رحله الزمان تعلوها اكاليل الغار والشرف . فهو زعيم لن يموت ابداً . والسلام ،،
#سقراط