الكاتب : سقراط |
06:42 am 26/09/2023
| رأي
| 1374
في وسط الاجواء المشحونة التي نعيشها حالياً من تبعات الازمه الاقتصاديه التي تمر بنا وتحميل الناس السبب فيها لأعمال البنيه الاساسيه الكبيره التي شيدت وأنشأت في عموم البلاد .اذاً دعنا نذهب سوياً لنري الوجه الاخر لنفس الازمه في بلاد تعتبر من قلاع الصناعه المتطوره وواحده من اهم دول الاتحاد الاوربي والتي تمثل رمانه ميزان اقتصاده وهي المانيا الاتحاديه . هذه البلاد التي يعتبر اسمها رمزاً و علامة هامه في الصناعه والتقدم العالمي . و يمثل امتلاك المنتجات الالمانيه قدراً كبيراً من الفخر والثقه لصاحبها لجوده تلك المنتجات وارتفاع اسعارها وخاصة فيما يخص السيارات والماكينات والمواد الكيماوية والعديد من المنتجات الاخري . ولكن علي الرغم من كل هذا وعلي عكس ما تعتقد فأن المانيا تعاني حالياً من ازمات طاحنه تعصف بأركان هذا الاقتصاد الجبار وتضع فيه الكثير من المشاكل التي تؤرق بال المواطنين و تضغط بشكل هائل علي الحكومه . استطاعات المستشاره ميريكل خلال رئاستها ان تنتهج سياسه اعطت انطباعاً عن قوة الاقتصاد الالماني . كانت ( سياسه تخزين المشاكل) للمستقبل هو ما اتبعته المستشاره وذلك رغبه منها في تحقيق الانضباط المالي في الموازنه بشكل قاسي وبدون السماح بزياده نسب الاقتراض اللازمه لزياده عمليات الاستثمار في الشركات أو اجراء اصلاحات وتطوير البنيه الاساسيه لتتواكب مع التطور الهائل في عمليات النقل والطرق والتواصل الاليكتروني .
كانت ارقام الاقتصاد الالماني الصارمه تعطي انطباعاً عن انضباط عميق في الموازنه والميزان التجاري الخارجي لها وخاصه مع الصين . و لكن هذا في الواقع كان يخفي الكثير من السلبيات التي تنخر في قواعد الاقتصاد الالماني واللوجستيات اللازمه لتطوره. ظهر ذلك واضحاً في تهالك البنيه الاساسيه بشكل عام وانهيار حاله القطارات ( دويتشه بان) واصبحت بعيده عن المواصفات الاوربيه في الدول الاخري و اصبحت شبكة الانترنت تعاني من تهالك وتخلف واضح وادت هذه السياسه الماليه الصارمه الي تفشي البيروقراطيه بشكل واضح في إجراءات تكوين الشركات هناك .
مشاكل كبيرة عاتيه تواجه المانيا حالياً بسبب سياسه (تخزين المشاكل) للمستقبل لضبط الموازنه واصبحت قنبله انفجرت في وجه الحكومه الحاليه . اضف الي ذلك مشكله تاريخيه كبيره اخري وهي شيخوخه المجتمع وتناقص تعداده بما يهدد سوق القوي العامله في هذا الاقتصاد الهام . وتبدو مشاكل الطاقه ايضاً حاضره علي مائده الالمان مع توقف تدفق الغاز الروسي اليهم و بالتالي ارتفاع اسعار الطاقه الي مستويات غير مسبوقه و خصوصاً بعد استغناء المانيا عن الطاقه النوويه والتي اثرت بشكل مباشر علي مستوي النمو والاسعار .
كما تري ان مسببات الازمه في المانيا هي عكس مسبباتها في بلادنا و ان كانت النتيجه تبدو متشابهه . فمنذ تولي (الرئيس) عام ٢٠١٤ انتهج سياسه تعاكس تماما سياسة (تخزين المشاكل) للمستقبل والتي انتهجها (مبارك) طوال ثلاثون عاماً حافظ فيها علي تباطئ وتيره الاقتصاد وتجميد الانفاق علي البنيه التحتيه وبذلك ظلت الاسعار في الحدود المقبولة لدي الكثيرين . استهل الرئيس عهده بفتح ملف البنيه التحتيه في كل الاتجاهات اتجه فيه بكل قوة الي تطوير بنيه الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق والقطارات والمطارات ثم اتجه الي ارث العشوائيات القديم و مشاريع مما لا نعرف عنه الكثير مثل تبطين الترع واستصلاح الاراضي وبناء المحطه النوويه بالضبعة. ويتم كل هذا في ظل وجود تدافع سكاني رهيب ومجتمع اغلبه من صغار السن المستهلكين . تم انفاق ميزانيات ضخمه للأنفاق علي تلك المشاريع العملاقة وتغطيه معدلات الاستهلاك الضخم لمتطلبات هذا المجتمع الكبير وخاصه في الطاقه التي تشتعل اسعارها بشكل متواصل.
———
لا انبري هنا مدافعاً عن سياسه او توجه ولكني فقط اضع امامك صوره واضحه لسلبيات وايجابيات تطبيق سياسه و عكسها وتأثيراتها المختلفه علي الدول باختلاف ظروفها . فهناك توجه كما تري في المانيا الي تقييد الانفاق و الانضباط الصارم للموازنة ومنع الاقتراض الحكومي اودي ذلك في النهايه الي انفجار مشاكل عاتيه في البنيه التحتيه اللازمه للحياه اليوميه و نمو اقتصاد كبير ذو دعائم يتطلب الكثير من الخدمات اللوجستية والكثير من الاستثمارات الضخمه. و هناك توجه معاكس كما تري في مصر اتجه الي تحديث البنيه الاساسيه و التوسع فيها وضخ استثمارات ضخمه فيها من موارد مختلفه منها الاقتراض . ومثلما تعرضت المانيا لمشاكل ضخمه نتيجه سياسه المستشاره ميريكل تعرضت مصر ايضاً الي مشكله عندما اثقلت الموازنه بلا شك بأعباء رهيبه واصابه الميزان التجاري والمالي ببعض الخلل . والسؤال هنا من هي السياسه التي علي صواب ؟ لا اعتقد ان هذا سؤال صائب علي اي تقدير . فالظروف تختلف بين دوله واخري و في توقيت الاحتياجات . اذا كانت المانيا ذات الاقتصاد الصناعي الجبار قد انتهجت سياسه اقتصاديه وماليه صارمه للحفاظ علي قوه عمله الاتحاد الاوربي فربما يكون هذا مبرراً يمكن للناخب الالماني تقبله علي الرغم من المشاكل التي تواجهه حالياً . و لكن عليها الان كما توضح التقارير ان تتجه الي عمليات اصلاح جذريه وضخ استثمارات ضخمه في مشاريع البنيه الاساسيه ستؤدي بالتأكيد علي زياده نسب التضخم في الاسواق و أن تعمل ايضاً بكل جديه نحو اعاده الحيويه الي مفاصل المجتمع الالماني باستقبال الاف من شباب المهاجرين للالتحاق بسوق العمل هناك لأعادة الحياه الي سوق العمل من جديد والحفاظ علي مستقبل الصناعه الالمانيه الشهيره .
اما بالنسبة لمصر فأن التقارير الدوليه تشير الي ان عليها ان تلتزم بعكس التوجه الالماني و ان تتجه الي اعاده الانضباط الصارم الي الموازنه لتهدئه وتيره التضخم واعاده ضبط التوازن الاقتصادي والعمله الوطنيه وكذلك العمل علي ضبط معدلات الزياده السكانيه بأسرع وقت ممكن . و كما تري ان هذين مثالين متقابلين في التوجه ماضيه وحاضره و انه لا يوجد خطأ مطلق او صواب مطلق . فما يجب ان تتحرر منه المانيا علي مصر ان تتقيد به علي وجه السرعه . وما قامت به مصر من مشروعات تحتيه خلال عشر سنوات ماضيه يجب علي المانيا ان تقوم بتنفيذه حالياً علي وجه السرعه .
———
ونخلص من هذا انه لا يجب عليك القلق من المشاكل الاقتصاديه التي تواجهك . فهناك دول ذات اقتصاد ضخم تعاني ايضاً كما تري .فأذا كنا الآن علي معرفه بمعاملات المشكله التي نعانيها واسبابها فلا يجب ان يتملكنا الاحباط والقلق ولكن علينا ان نأخذ من تجارب الكثيرين وخاصه المانيا والتي تمثل مشكلتها الوجه المقابل لنفس الازمه الاقتصاديه . وكما تري لم تنهار المانيا نتيجه هذه المشاكل ولم تنبري الاقلام تمزق في عهد المستشاره ميريكل وتوجهاته فقد كان له من الايجابيات في وقته وافرز ايضاً سلبيات عميقه في المستقبل بلا شك و سيعمل الالمان بكل تأكيد علي الاصلاح والتغلب علي ما يواجهونه من مشاكل يساندهم في ذلك مجتمع صناعي جاد وتكنولوجيا لا يستهان بها ذات باع كبير في الكثير من الصناعات . ويجب ان يحدث ذلك ايضاً في مصر فنحن لا نقل في قوتنا وارادتنا عنهم ونملك اقتصاد ضخم له ادواته و تنوعه. علينا ان نخلع من انفسنا معالجه الامور بتمزيق كل انجاز وتحميله كل ابعاد ومؤثرات المشكله الاقتصاديه التي تمر بنا الآن. فبكل تأكيد اكتسبت البلاد منشآت ولوجستيات عاليه القيمه ستكون قيمه مضافه هائله لاجيال قادمة . اقتحمنا الكثير من مشاكل الفقر المجتمعيه العاتيه والتي كان الاخوه العرب او السياح الاجانب يعايروننا بها وكانت ايضاً سبباً في مشاكل الجريمه والعنف في المجتمع . اذا فقد حققنا الكثير من الايجابيات ذات التأثير الممتد وعلينا الان ان نضبط دقات الاقتصاد بعد ان اصابه الرهف نتيجه ضخامه الانفاق الحتمي علي البنيه الاساسيه .
————-
علينا ان نتعامل مع الامر الواقع بنضوج المجتمع الالماني لا بمنطق التهييج والدعوه للفوضى عند اول منحني او ضائقه . وان يصل منطق الناس ومشاكلهم الحقيقيه الي اذن صانع القرار ليصل الي القرار المناسب في تعديل السياسات والقائمين عليها في الوزارات المختلفه والتي تتطلب بحق سرعه التغيير. والسلام ،،
#سقراط