03:58 pm 19/09/2023
| رأي
| 1314
قادتني المصادفة الي التوقف بسيارتي في احد الاماكن الراقيه بحي المعادي الهادئ ذو البنايات الحديثه وذلك اثناء زيارتي لأحد الاصدقاء. ذلك الحي الجميل والذي كان عامراً بالكثير من ذكريات الحياه مع الاجانب العاملين في شركات البترول منذ زمن بعيد حيث كانوا يفضلون الحياة به لهدوئه ونظافته. تناهت الى مسامعي صوت سيدة اربعينية تتحدث مع اخري وهي تصف لها كيف انها تشتري لأحد سكان العمارة بالاف الجنيهات مالذ وطاب من انواع الطعام والذي اصبحت اسعاره تحلق في السماء. ———
لم استطع ان اتجاهل هذا الحديث وافتعلت بعض التحركات حول السياره لأستكمل سماع حديث تلك المرأة. اسهبت في حديثها بعد ذلك في وصف كميات الدجاج و الخضروات والفاكهه التي تحملها من الاسواق اليهم وان هذه الكميات تتكرر كل يومين او ثلاثة على الاكثر وان احد منهم لم يفكر لمرة واحدة ان يمنحها بعض ولو قليل من هذه الاطعمه الجميله التي غابت عن مائدة اولادها منذ شهور . واردفت ان كافة ما تتحصل عليه من دخل لا يزيد عن الفي جنيه شهرياً نظير خدمتها للعماره وقارنت ذلك بالطبع بأسعار الطعام التي تتزايد يوماً بعد يوم بلا ضابط او رابط .
—————
عند هذا اكتفيت بما سمعت فلم يكن لدي الرغبه في ان اصعد لزيارة صديقي وانا مغلق الصدر والعقل نتيجة هذا الحديث القاسي .وجلست بعد انتهاء الزياره محدثاً نفسي بما سمعته وخاصه ان هذا الكلام انطلق من بعض العاملين في حي راق نسبياً فما بالنا بمن يعيشون بالاحياء الشعبيه والفقيرة . جميعنا لا يلقي بالاً بأحوال من حوله في خضم انشغال كلا منا بحاله وماله ومشاكله وكيفية التعامل مع الظروف الحالية التي تطول الجميع غنياً كان او فقير . لم يعد احد يهتم بمشاعر من حوله ولا يعطي لها ثقل او اهمية . ربما كان هذا يمر في الماضي عندما كانت الحاجات الاساسيه من الطعام وغيره في متناول اليد والجميع لا يجد مشكله حقيقيه في هذا الاتجاه. اما الآن فالوضع الاجتماعي الحالي بات شائكاً ومراعاة شعور من حولك والحذر من مرارتهم وخاصة ممن يعملون عندك او في خدمتك من مختلف الطبقات اصبح واجباً . صعوبة الوضع والاسعار لا تحتاج الى مزيد الوصف او الشرح فالكل على ادراك تام بها . ولكن التعامل مع الاخرين في ظل هذه الظروف و هذا الوضع الجديد هو مالم نتعلمه حتى الآن . شراء بعض انواع الطعام حالياً اصبحت حلماً بعيداً لدي البعض بعد ان كان شيئًا معتاداً . الكثير من هذه الطبقات تشاهد انواع الطعام في مقاطع الفيديو علي اجهزه التليفون ولا يملكون غير المشاهده و التحسر و صب غضبهم علي الاخرين . وبالفعل اصبحت محلات اللحوم وغيرها محلات الطعام من نجوم برامج الفيس بوك والتيك توك وغيرها في وضع جديد وغريب لم نتعوده من قبل .
————-
شاهدت ابي قديماً وهو يغطي سمك الثعابين بعد شراؤه بلفه كثيفة من الاوراق حتى لا يراه احد وعندما سألته عن سبب ذلكً قال لي لربما رآه احد و اشتهاه وهو لا يقدر علي شراؤه فيصبح صعب الاكل ثقيلاً علينا . تعلمت تلك الحكمه واصبحت اتبعها في شراء مكونات الطعام الهام لأسرتي وجعلته من خصوصياتي لا الجأ الى من يخدمني فيها واعتقد ان ذلك كان فيه خير وبركه كثيره . ————-
واذا كنا نستشعر صعوبه الوضع الاقتصادي الحالي علينا و قد من الله علينا من رزقه فما بالك بشعور وحال من لم يؤت سعه من الرزق وهم كُثر . حديثي اليكم لا يتطرق الي عوامل الازمة واثارها فهذا موضوع قام عليه الكثيرين ولكني اتجه الي مساحة اخري تقع فيها تأثيرات تلك الازمه كواقع نعيشه بالفعل . واحد اهم تأثيرات هذه الازمة علينا بضرورة ان نتعامل مع اجواء تلك الازمة مثل تعاملنا مع اجواء زمن الاوبئة وغيرها .
———-
لا تختلف هذه الازمنة عن بعضها ، فبها الكثير من المشاكل والامراض والاحتياجات والاحتياطات ويربط كل هذا ببعضه شعور الخوف والقلق بين الناس بعضهم من بعض . نفس الشعور تراه الان في عيون اصحاب الدخول المحدوده وبين الاخرين اصحاب الدخول الثابته .
————
لن اطلب منك ان تكون مصلحاً اجتماعياً أو ان تتحمل مسئوليه ما يعانيه هؤلاء ولكن عليك ان تتخذ وتحتاط لتصرفاتك جيداً . لا داعي اطلاقاً لأجراء مشتريات بيتك مره واحدة وتملئ شنطه سيارتك بعشرات من حقائبها فيراها هؤلاء الغلابة فتصيبهم بالحزن والكمد ولا تأمن من نظرات الحسد . احتياجاتك من الاطعمه ذات الاسعار العاليه يجب ان تقوم انت عليها ولا توكل احد من هؤلاء بشراؤها .هناك الكثير من الاجراءات الاحترازية الاخري التي تراعي مشاعر هؤلاء ولا بأس ان تفئ عليهم ببعض وبالقليل مما به وفره في مشترياتك او تعمل حسابهم خصيصاً ببعض المشتريات من السلع الاساسية لهم ضمن ما تشتريه لنفسك و سيكون ذلك جبراً للخواطر واطفاء لنار نظر الحاجة . اطعم الطعام ولا تخجل من تقديمه . انزل الي الشارع ببعض الاطباق الصغيره مما يفيض لديك من طعام او قطع من الحلوي واعطيه بحب لكل من يقوم علي خدمتك في مسكنك او جراج سيارتك او الكثير من الغلابه في الشارع فالطعام اصبح اكثر اهميه من منحه ورقه ماليه صغيره .
————
كل هذا سيعمل هذا علي اشاعه جو التراحم والترابط و تقدير لشعورك بظروفهم . لا يجب الاستهانه ابداً بمراعاة شعور من يعيشون حولك علي مختلف مستوياتهم وحالاتهم الاجتماعيه في وقتنا هذا . وعندما تشتد ظروف الازمه و تعتصر فيها بعض طبقات المجتمع فعليك ان تعلم تماماً بأن عليك الحذر في التعامل و ان تكون تصرفاتك علي قدر كبير من المسئوليه تجاه هؤلاء لان انفجارهم في وجهونا سيكون مروعاً لو حدث . تعامل بأسلوب اكثر ليونه واكثر عطاء مع كل محتاج يطل عليك في سيارتك او شارعك وان لا تظهر مشترياتك و استهلاكك قدر الامكان .
هذه ليست نصيحة ولكنها اشارة تحذير . والسلام ،،
#سقراط