للاعلان

Sun,24 Nov 2024

عثمان علام

مجرد رأي…راحوا فين حبايب الدار

مجرد رأي…راحوا فين حبايب الدار

الكاتب : سقراط |

05:42 pm 18/09/2023

| رأي

| 1407


أقرأ أيضا: Test

مجرد رأي…راحوا فين حبايب الدار 


واحدة من اجمل ما تغني به الاستاذ الكبير ( وديع الصافي) . كلمات حزينه تنعي فيه الدار  الذكريات الجميله لحياة راحلين عنها . وتبدو اشجان هذا الموضوع في بقاء البنايات والقصور علي قوائمها بعد رحيل اصحابها و تشعر بنبض هذه الجوامد وهي تعتصر الماً علي فراق اصحابها. 
شئ غريب ما يحدث ربما لاحظته انت عندما تفارق سكنك لمده تقصر او تطول . ترجع اليها لتجد ان كل شئ قد تلف وانها تحتاج الكثير من الاصلاح لتعود الي سابق ما تركتها عليه. لا تجد تفسيراً مقنعاً لحدوث تلك التلفيات علي الرغم من  انك بذلت كل جهدك لترك كل شئ سليم وعلي حالته واحكمت غلقه وقمت ايضاً بتأمين مداخله ومخارجه.  
—————
ولكن تبقي الروح التي تعيش داخل الجدران هو السر المهم . بها  يشيع الدفء و تجلجل الضحكات ، تنطلق ابخره الطعام الساخن والروائح الشهيه . توقد مدفأه او يعمل جهاز تكييف هواء . تزدهر الثلاجه بالعمار من مختلف انواع  الطعام . انفاس من بداخل الجدران هو حياة للجدران ذاتها  تجعلها بالتبعية جسد حي يشاركك الحياه . يبتهج هذا الجسد بكل مافيه من جوامد ببهجه اصحابه ، ويكتسي حزناً لألمهم . يخطئ من يتصور ان الجماد لا يشعر بمن حوله . ابداً الجماد يستمد حيويته منك ومن شعورك اياً كان هذا الشعور . عندما تتركه مهاجراً او مسافراً تجده ( ينكسر ) حزناً وتصيبه الكأبه وتعلوه الاتربه وتتولد داخله الوحشه و القتامة بل وتفسد مرافقة واعضاؤه . كم من البنايات الانيقه الشاهقه وقد استحالت خراباً بعد رحيل اصحابها. نعم تظل علي طبيعتها الجامده من جدران قويه واسقف عاليه ولكن يرعي داخلها خراباً ينعق فيه البوم وتنتشر فيها القوارض والزواحف وهي التي كانت بالامس عامره ساهره مضيئه ليصمت كل شئ و تنزوي الي مجاهل الصمت والسكون بين عشيه وضحاها . وهكذا تظل الروح من اهم واعظم اسرار الدنيا . الروح بين الناس ، روح حب الحياه  والمقاومه والصبر و تحقيق المستحيل. لا حياه بدون روح . ان ذهبت ذهب معها كل شئ . درس كبير لا يفقهه معظم الناس الا بعد فوات الاوان .  كثير منا يظل  دائماً علي قناعه بأن اقامه الجدران والبنايات هي منتهي الامل ودره التاج . و ستكون الوارث منه . يسعي اليها و يفضلها علي ما عداها وحتي علي استمتاعه بحياته . ينظر اليها مفتخراً بها ولكنها مع ذلك لا تشعر به . ينفق فيها جهد عمره و يسخر لها من الاموال الكثير و يحرم نفسه من كافه متع الدنيا ليقيم القصر المنيف . ولكن الاحجار تنقصها الروح لتعيش هي الاخري وتشعر بك وتحافظ عليك . نعم اعطيتها من مالك وجهدك ولكنك لم تعطها من روحك ودفئك . ظلت جامده كئيبه لا تشعر بك . 
—————-
كثيرةً هي البيوت من حولنا علي مختلف انواعها  الفقير منها و الغني الثري . قد تجد بيتاً صغيراً بسيطاً تعلوه البسمه والطمأنينة  . تنطلق فيه ابخره اطباق العشاء الساخن وسط ضحكات اهله وناسه . تحتضن جدرانه اصحابه وهم نيام تحافظ عليهم و تدرأ عنهم كل سوء كأنها  ام حانيه . وبيوت اخري يكسوها الثراء افتقدت الروح واصبحت كمتحف للقطع الثمينه لا تنطلق فيها ابتسامه ولا يعيث فيها صخب أو مرح. المنزل هو من يحتويك ويعيش معك ، يظلل عليك عندما تملك وتنفق و  يكون بجانبك ايضاً عندما تعسر وتقطر فهو يعطي ولا يأخذ . يعيش معك افراحك واحزانك . في كل الاحوال ليس مهماً ان يكون قصراً منيفاً شاهق الجدران عال الاسقف . ليس بالمهم ان يمتلئ بالتحف والمجوهرات . ولكن من المهم ان يمتلئ بصخب الحياه وروحها ، تدفقها واحوالها . 
———-
هكذا ظلت الكثير من بيوت الماضي شاهده علي تاريخها ومازالت قائمه محافظه عليه . ظلت هذه البيوت علي عهدها تمد سكانها بالطمأنينة جيل بعد جيل و  يظل فيها الابن علي عهد ابوه وتظل البنت علي نهج  امها. احتواهم و  كان شاهداً علي الموده والرحمه والصلات الوثيقه بين افراده .  كان واحه في صحراء  حياتهم  ، اقيمت فيه صلوات وانطلقت منه دعوات وربما  صادف بعضها ابواب سماء مفتوحه في ليالي (قدر)  غير معلومه . هذا هو البيت الحي الذي يعمر بساكنيه واحداثهم وعاصر اقدارهم وكان في وادعهم عندما تحين ساعه الرحيل . تظل مصابيحه مضيئه بود الماضي وذكرياته ، بالعيال والاولاد بصداقه الاخرين و قبله المحتاج. لا تبني داراً لتكون متاعاً لغيرك . كلما ازددت في بنيانها تخور قوتك وتذهب روحك ، دار لا تعرف منك الا ايام الثراء  فقط ولا تأويك في عسرك ابداً . دار جاحده لا تفتح أو تعمر الا بكثير المال والالتزامات . نعم ستجلس في دار منيفه  ولكن بدون قوه أو امل  بعد راحت ايام الهناء والاستمتاع . 
—————
لن تستطيع ان تبث في تلك الجدران روح أو حيويه . لن تتعرف عليك أو تعيش معك . لن تحزن عليك عندما ترحل . وحتماً ستكون ارثاً مغرياً لمن بعدك عندما يمنحونها لأخرين عن طيب خاطر مقابل قنطار من المال ليذهبوا به بعيداً لحياه اخري. وسيسكن تلك الدار  اخرين ربما ملؤوها حياه وحيويه لم تستطيعها انت . و كل ذلك سيكون علي اثرك و رفاتك . 
استمتع بالمنزل الصغير واحتفظ به  ولا تندب حظك ، المنزل الذي عاصر ذكرياتك وفرحك والامك . المنزل الذي تعرفك حوائطه واسقفه. المنزل الذي ينتظرك حتي تعود . المنزل الذي يحتوي ابناؤك عندما ترحل ويحافظ عليهم ويظل علي عهده معهم  . هذا هو المنزل (الحق)، هو نفس المنزل الذي تكلم وتألم لفراق احبائه في اغنيه الاستاذ (وديع الصافي) الجميله . اما قصورك وعالي بنيانك فربما تكون لأخرين . ليست انشوده رثاء  ولكنها الحقيقه . والسلام ،، 

#سقراط

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟