الكاتب : سقراط |
07:00 am 19/08/2023
| رأي
| 1627
دخل المعلم الى الفصل الدراسي مبتسماً ، ذهب يرتب اوراقه علي الطاولة التي امامه . يتأهب الطلاب لسماع الدرس . يرفع المدرس عينيه بينهم ثم يشير الي طالبه جميله تفتح كمبيوتر شخصي امامها موجهاً حديثه لها بكل حزم "( امشي اطلعي بره) ولا تحضري لي اي محاضره مره اخري " . برقت عيناها من المفاجأة وهي في دهشه لا تصدق ما تسمع .حاولت ان تستفهم عن سبب ذلك . بتر المدرس الحديث بقسوه وهو يقول" ( لن اكرر ما قلت)" . لملمت الطالبه حاجياتها وهي غير مصدقه لما يحدث لها وغادرت القاعه وسط حزن واستغراب زملاؤها من هذا الموقف الصادم الغير مبرر .
التفت المدرس الي التلاميذ وهو يسألهم بكل بساطه وكأن شيئاً لم يحدث ( لماذا وضع الانسان القوانين ؟ ) . تباينت الاجابات بين الطلاب التي جاءت ما بين المحافظه علي الحياه الشخصيه للأفراد او احترام السلطه و فرض النظام في حياه الناس ويهز المدرس رأسه مع كل اجابه في اشاره الي عدم اقتناعه بالاجابه . انطلقت كلمه ( العداله) من احد الطلبه في الصفوف الاخيره . ينتفض المدرس بالاشاره اليه معلناً ان هذه هي الاجابة الوافيه لسؤاله. وهنا بدأ المدرس حديثه الي الطلاب بالسؤال
"هل ماحدث مع زميلتكم من دقائق قليله كان عدلاً " ؟ واذا لم يكن كذلك لماذا لم ارى اي رد فعل منكم تجاه تلك الحادثه؟ لم ينتظر منهم اجابه و بدأ هو في سرد ما جال بخاطر كل منهم . فكل واحد منكم اعتقد بأنه في مأمن عن الخطر طالما ان هذا الحادث بعيد عنه . والاخر اثر الصمت خوفاً من ايه ردود فعل قد تضره . بينما اظهر بعضكم سلبيه ولا مبالاه تماماً مثل هؤلاء ممن لا تعنيه الاحداث من حوله.
——————
كان الدرس الذي قدمه هذا الاستاذ واقعياً وعنيفاً واظهر بصوره حقيقيه ردود الافعال التي تدور حولنا تجاه ظلم واقع أو معاناه يعيشها البعض من حولنا . لا ادري لماذا دار بذهني بسرعه ذلك الطابور الطويل من اصحاب السيارات المتفرجين علي حادث وقع امامهم . لا تدري تحديداً ماذا يدور بخلد كلا منهم . ولكن القاسم المشترك ان الجميع لا يشعر بأنه قد يتعرض لنفس الحادث ويصبح هو ايضاً ( فرجه) للأخرين . لم يهتم احد منهم بمساعده المصابين او القاء نظره فاحصه سريعه لموقع الحادث لمعرفه الاسباب التي ادت اليه ويتجنبها في المستقبل او حتي السير بسرعه لعدم تعطيل المرور اكثر من ذلك . هكذا تظل السلبيه وتغليب المصلحه الشخصيه هي العامل المشترك بين الناس في هذا الزمن ظناً بأنها الملجأ للسلامه . لا وجود لمد يد المساعده او حتي مجرد تقديم المسانده المعنويه . الخوف من المشاركه وابداء الرأي اصبحا السمه الغالبه . هذه الاجواء لا تخلق ابداعاً او رغبه في العمل أو تفاؤل تجاه المستقبل . تماماً مثلما لم يظهر الطلاب اي رد فعل تجاه المدرس فيما ظهر امامهم من ظلم فادح لزميلهم . اثر الجميع السكوت والاختباء خلف جدران الصمت واللا مبالاه . و لم يدركو حقيقه هامه ان صوتهم مجتمعين كان سيكون له صدي عند المدرس مهما كان المدرس ظالماً متحكماً . ان نظرت الي الظلم علي غيرك ولم يعنيك ذلك فانتظره عليك بلا جدال ولن يعني ذلك احد ايضاً . العداله تقع بين طرفي معادله متوازنه لك وعليك . فالقائد او المدير بيده مفاتيح الحل والربط في موقع عمله وسلطته اذا تجاوز واستبد في ذلك فقد اقترف ظلماً واذا اشتد فيه لعدم وجود مقاومه ممن حوله فأنه سيخلق مجتمعاً من (الخدم) حوله سيجعله بالتأكيد سعيداً مؤقتاً. ولكن الخادم بطبيعه الامر ليس مبدعاً أو مبتكراً ولكنه مجرد اداه تنفيذ لا تعنيها النتائج سلباً كانت او ايجاباً .
————-
ويصدق بيت الشعر في ذلك حين يقول :
والاقوياء طواغيت فراعنة :
واغلب الناس تحت عروشهم خدم .
وبهذا تنتقل كل المسئوليه علي اكتاف المدير او المسئول تفكيراً وتنفيذاً بدون ان يشعر بذلك وتزداد فرص خطأ الرأي الواحد ولن يجد مساعده من احد عندئذ لانه قتل روح المبادرة و الحوار فيمن حوله . وعندما يسقط لن يجد من يقف بجانبه او من يبرر عنه اسباب ما حدث فكل من حوله كانو مجرد ( خدم).
————————
الساكت عن ظلم الاخرين و اهانتهم معتبراً بأنه في مأمن من اي غضب او مسائله وانه سيعود الي بيته امناً مطمئناً، حتماً ستأتي الايام له بمثل ما رأي في الاخرين ولن يسانده احد أو يقف معه ضد ما تعرض له من ظلم تماماً مثل فعل هو في الماضي . وقديماً قالوها الكبار ( كله سلف ودين) . المجاهرة بالسؤال ومساندة الاخرين مادياً و معنوياً ومحاوله مقاومة الظلم ليست جريمة تحاسب عليها ولكنها منطق وانسانيه ومعاملة مع الله في المقام الاول . فكل ما هو مكتوب لك سيصيبك حتماً . ولكن السلبيه والخنوع ثمنها باهظ حتي ولو بعد حين.
تخير امرك وافعل ما يمليه عليك ضميرك وانسانيتك ودع التدبير لصاحب التدبير . والسلام ،،
#سقراط