الكاتب : سقراط |
07:16 am 09/08/2023
| رأي
| 1438
واحد من أهم الفنون الشعبية الموجودة في مجتمعنا شخصية إنسانية مصنوعة من الخشب أو القش ، ترتدي ملابس فلكورية مميزة فيها المهلهل وبعضها انيق متميز . يتحلق حولها المارة من الاطفال و ربما بعض الكبار والمشعوذين وبعض من ضاق بهم الحال .
—————
مثلت هذه الدمية نوعاً من الثقافة الشعبية فهي تعطي بعضاً من الحكمة والكثير من النصح في حركات بهلوانية مثيرة تقدم فيها من الحكايات مالا يحصى من المواضيع التي تهم عامة الناس . وعلى الجانب الاخر اصبحت تلك الدمية مثالاً و رمزاً لكل من يقوم بأفعال وتصرفات لا يرضي عنها الناس او تكون مشوبة بالجنون والعصبية.
—————
الاراجوز شخصية مسكينة بحق فهو يتعرض للانتقاد وربما التحطيم على الرغم من جهله بما يقدمه . فهناك ايد خفيه تلك التي تحركه وتنطق بالكلمات والهذيان بالنيابة عنه وتحركه هنا وهناك لتعطي وقعاً للكلمات والافعال فهو في بعض الاحيان طيب وكريم وفي البعض الاخر مجرم شرير ، وتتحمل الدمية المسكينة هذا و ذاك رغماً عنها وفقاً لرغبات من يحركها . ولذلك اصبح الاراجوز يفضل صغار السن المولعون بحركاته وكلماته فهو لا يخشي منهم على نفسه ويظل مسرحه بهم قائماً ثابتاً فهم لايهمهم فكره او منطقه ولكن كل مايهمهم قفازاته وحركاته التي تجعلهم سعداء .
————-
هكذا مثل فن الاراجوز مسرحاً كبيراً للحياة بما فيها من متناقضات واهوال بل وغرائب لا يمكن ان تدركها حتي في الخيال. جال الاراجوز في كل زوايا الدنيا وعبر عن فرحه وضيقه وسعادته وبكائه . وظل في كل فصل مما يقدمه للناس يعمل علي غرس حبه والثقة فيه في نفوس محبيه. وأوحى لهم بأنه عليم متمرس لا يشق له غبار . فصدقه الكثيرين واصبحوا يلاحقونه انى ذهب بطاولته و ستائره. وهكذا اصبحت هذه الدمية الشقيه مصدر من مصادر الرزق لمن يحركها من اسفل. و تنطلق تلك اليد لتجمع الاموال والنقوط و بينما يظفر الاراجوز دائماً بالكثير من التهكم والاتهامات بالجنون والسفه. ويكون هو اول من يتحطم و تدوسه الاقدام بعد ان يقذفه صاحب اليد الخفية ارضاً ويهرب من ساحة المعركة التي نشبت بين المشاهدين والحضور ويتركه لحال سبيله يهترئ ويتمزق بالاقدام .
——————-
ظل على حاله هذا فترة طويلة وتوارثته اجيال بعد اجيال وظل صاحب اليد الخفية المتمرسة يورثه لابناؤه الواحد تلو الاخر .فهو يجلب الرزق ويحظى من خلاله بالاهتمام الخفي و ينقل للناس بعفوية هيستيريه اراء صاحب اليد الخفية بدون ان يظهر، ويظل بعيداً عن اي مسئولية او محاسبه من المشاهدين . وبذلك اصبح الاراجوز وصاحبه مؤثرين في حياة الناس ويشكل افكارهم بل ويساعدهم على اتخاذ قرارت في حياتهم .
—————
وكان من اجمل مواقف الاراجوز ما ابدعه الفنان صلاح ابو سيف في فيلم ( الزوجة الثانية) عندما اعطى الاراجوز النصيحة الصحيحه للزوجة (المظلومه) في التعامل مع العمدة ( الظالم) .ونفذت الشابة المقهورة النصيحة بحذافيرها ونجحت خطه الاراجوز وانتهى كل شئ على مايرام .
————-
لم يدر بخلد الاراجوز حينئذ انه كان سبباً في العديد من المشاكل في البيوت وكان سبباً اخر في حلها بأفكاره الجهنمية التي تضج بخبره الحياة بدون ان يدري . لأن المشكلة الاولى لدى ( الاراجوز) انه لا يسمع الا نفسه او بالاحري لصوت من يحركه ويتلاعب به فقط . فاليد الخفية لايهمها اعجاب الناس او استهجانهم لما يقول ويفعل . ولكنها تؤدى البرنامج كاملاً للحفلة حتى تحظي في النهاية ببعض القروش في الحصالة التي تدور عليهم في النهاية وهذا هو المهم.
———-
وقد تتلقى الدمية البائسة قذائف الشتائم وبعض من البيض الفاسد من الحضور رغبة في استثارة المزيد من افعاله وحركاته المجنونة بعد ان يمل الناس من عرضه ويتلقاها راضياً ويظل متراقصاً متأهباً لأي حدث جديد . ايضاً استغلت هذه الدمية بذكاء في الايقاع بين الناس وخداعهم بل وعقابهم من طرف خفي لا تعلمه . فعندما تواجه عدواً جباراً قوياً يجب عليك ان تتخفي وراء هذه الدمية لتضربه قلماً على وجهه خلسه وتكسب المعركة بدهاء وبدون ان يراك احد. وكانت هذه من اجمل مشاهد فيلم شكوكو صاحب رهان الاقلام السبعة على وجه جاره الجبار . وكان قلم الاراجوز واحداً منها وسبباً من اسباب الفوز.
————-
كم هي بائسة تلك الدمية التي استخدمت بأيدي كل من استطاع ترويضها وتحملت كل السخافات والمحن من اجل اليد الخفية التي تحركها وتحقق من ورائها الكثير والكثير .
——————
هكذا كان الاراجوز في حياتنا ولم ينته. انه علامة من علامات ثقافتنا في طريقها الطويل عبر السنين . لم يستسلم خلالها الاراجوز وانما ظل على السنة الناس وفي عقولهم (ضحكاً ولعباً) و( سباً و شتماً ) . وبقي متعايشاً مع الاحداث يحاول جاهداً ان يظل على قيد الحياة لاتنساه الناس او يندثر مع السنين . ستظل هذه الدمية حاضرة بتكوينها المادي والفكري في اذهان الكثيرين . وستظل حاضرة في اذهان الكثيرين في محاولات مضنية ان يجدها في زحام الحياة . فربما يجدها و يستطيع ترويضها لتجلب له الخير ، ويرى من الخفاء اعجاب الناس وتصفيقهم لأفكاره و ابتكاراته او حتى غضبهم و استنفارهم . وتظل الدمية ذاتها عاجزة عن الكلام او الرد وتتلقى الوخز والدعوات ولكنها تنظر لليد الخفية بحسرة فهي لا تستطيع ان تفلت منها بسهولة و يظل الاراجوز يتطلع عيون صاحبه بنظرات حزينة يطالبه ان يعلن نهاية المسرحية ويدخله الى متحف التاريخ ليرتاح . فيكون الرد ساحقاً و الاجابة واضحة ستظل موجوداً و هذا دورك الى الابد .والسلام،،
#سقراط