د. محمد العليمي يكتب: مشاعر إلكترونية 

ثمة أمور نعيشها دون أن نكترث لها، تمضي من خلالنا  بصمت ولكن هذا الصمت لايعني أنها تمضي بسلام، فذلك الصمت قاتل متخفي متسلل، تلك الأمور قد تمضي ولكنها تأخد معها كل جميل، ومن أشد تلك الأمور فتكاً: "برودة المشاعر"، العديد منا قد تحولت مشاعرة لمشاعر إلكترونية باردة صماء، فأصبحنا نهنئ بعضنا البعض عبر الفيسبوك، نُبدي إعجابنا عبر الانستجرام ونتذمر عبر تويتر، لتتحول المشاعر والمواقف الإنسانية لمشاعر جاهزة مُعلَّبة، تفتح درج المشاعر وتُخرِج منه ما يتناسب مع الموقف لتستخدمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أو بالأحرى تلقي به دون اكتراث أو إحساس.

قد نمتنُّ للتكنولوجيا التي طوت المسافات، وجعلت العالم أكثر قرباً من الواقع، فأصبح بإمكاننا أن نلقي تحية الصباح على شخص في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، تماماً كما نفعل مع من يشاركنا الغرفة، لكن هذا الامتنان يجرحه الفعل العكسي للتكنولوجيا نفسها في خلق مساحات وهمية شاسعة بين الأفراد في البيت الواحد، فالجميع صار مهووساً بالتواصل الافتراضي، ليس بالضرورة لأمور مهمة كما هو منشود لهذه التكنولوجيا أن تكون، وإنما لتمرير الأخبار والرسائل المعلبة والصور والفيديوهات والأدعية، وبقدر ما قرّبت التكنولوجيا البعيد فهي كذلك أبعدت القريب، بل وفقد القرب الواقعي أهميته، وتفوّق عليه القرب الافتراضي في صنع حميمية وهمية في العلاقات الإنسانية، لتتحول العلاقات الاجتماعية مع الوقت  إلي عزلة اجتماعية ونقصاً في الشعور بالانتماء الاجتماعي وتراجعاً في التواصل مع الآخرين، ومع قضاء مزيد من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، سيصبح التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية بديلاً للتواصل وجهاً لوجه مع الآخرين، مما سيجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر عزلة.

مهما تعدد وسائل التواصل الاجتماعي ومهما تطورت إمكانيتها وأدواتها، فسأظل أحب اللقاءات التقليدية، فلهفة اللقاء وجهاً لوجه لا تعوضه أي وسيلة تواصل أخرى، مصافحة اليد، إبتسامة الشفاة، رائحة العطر وشذاه، حتى التزامك بالموعد له قيمته وجماله، حماسك للمقابلة واختيارك للملابس، حتي أغنيات الطريق كل هذه الأشياء لاتُعوض أبداً، فنظرات العيون ودفئ المشاعر  لا يعوضهما هذا التطور الإلكتروني البارد !