الكاتب : سقراط |
05:13 am 30/06/2023
| رأي
| 1207
بلغت حيرتي مداها وانا احاول اختيار عنوان لهذا الموضوع الهام . فأن اشرت الي حدث معين في هذا الوقت والتاريخ فقد يعتبره بعض ممن اعتز بمتابعتهم لهذا الباب في هذا الموقع المتميز موضوعاً انشائياً يمجد للحدث ويفيض عليه بكل محمود من فضائل . فينصرف عنه اعتباراً انه قرأ وسمع الكثير عن ذلك ، لذلك كان اختيار عنوان الموضوع هو ذاته عنوان لنظرية غايه في الاهميه اردت توضيحها تلك التي تمسك بزمام تصرفات الشعوب تجاه الاحداث والحكام وتوضح لنا الظروف التي مررنا بها وصولاً لما نعيشه هذه الايام.
علينا ان نعلم يقيناً بأن الحقيقه الجليه للأحداث الكبيره التي تمس كيان امه واساسها هو ما ينكشف تباعاً منه عبر السنين و يصعب استيعابه او وصفه في عنوان عابر او التعرف عليه في شعور سائد اي كان نوعه غضباً او عكس ذلك ، واذا كان التاريخ يظل شاهداً وساهراً علي ذلك فلك ان تدرك ان بعض ثورات الشعوب الخالده في روسيا وفرنسا وامريكا وغيرها من البلدان صاحبه التاريخ مازال لها من الاسباب الغير معروفه عبر مئات السنين من قيامها علي الرغم من الاف الكتب التي تتبعت احداثها والمسارات الخاصه بها ، و أن ظلت تبعات هذه الثورات ونتائجها تعيش وتتفاعل مع شعوبها حتي اليوم .
من كان يدري او يتخيل ان مجموعه صغيره من الضباط من ابناء العمال والفلاحين البسطاء قامو علي تغيير خريطه الشرق الاوسط والسياسه الاستعماريه في عمومها بأفريقيا واسيا بقيامهم بأسلحتهم الشخصيه بإنهاء الحكم الملكي في مصر . وعندما صادفت تلك الحركه هوي الشعب انطلقت ثوره عارمه تهدم جداراً راسخاً من التفرقه والتمييز عاني منه ملايين من ابناء هذه الامه علي مر مئات السنين . اذا فالفيصل في الموضوع هو الهوي الشعبي او لتقل (المزاج العام ) الذي يبارك ويساند تحركاً او تغييراً .
(المزاج العام ) في حالتنا ليس هوي التدخين و احتساء القهوه وانما هو تيار شعوري عام يتفق عليه الملايين له مدلوله في مضمون حياتهم تجده يتولد بين الناس بدون تدخل من اي شخص او جماعه و يولد وينمو بتأثير مباشر بما يعتمل في الواقع الذي يعيشونه . واذا ظهر هذا المزاج و اصبح واقعاً يعيش داخل النفوس و ينتج عنه قوه ( المسانده الشعبيه) . ويجب ان تعلم ان (المسانده الشعبيه) لا تكون مرادفاً (للمزاج الشعبي العام ) في كل الاحوال فقد يتفق (المزاج العام) وتتفرق اساليب وطرق المسانده او قد تختفي كلياً .
ومن هذه النقطه تحديداً اصل الي ما حدث بعد خلع ( مبارك) من الحكم . كان المزاج العام يطلب التغيير علي اي شكل وبأي حال . وولدت قوه المسانده الشعبيه لمطالب الشباب في حدث فريد يظهر مخاض (المسانده الشعبيه) من رحم( المزاج العام) لمطالب الشباب من كافه فئات الشعب الاخري .
و بذلك فقط ذهب مبارك وعهده الي سجلات التاريخ .
بعد هذا وقف (المزاج الشعبي) المنتصر حائراً فيما يجب عليه من بذل المسانده للبديل ومن يستحقه .
فوجئ عموم الناس علي مختلف توجهاتهم بفقدان البديل بعدما تعددت بشكل مسرحي الشخصيات التي ترغب في ان تحل محل هذا الرئيس التاريخي . فظهرت شخصيات متعدده صدمت الشعب و افتقدت منهجيه العمل السياسي العام ولم يتفاعل معها الشعب علي مختلف طوائفه فمنها الارستقراطي عالي اللغه مثل الاستاذ (عمرو موسي) ومنهم الشعبوي مثل( صباحي) الصوره الباهته للعهد الناصري ومنهم من استغل صفه الشباب بدون خبره او كاريزما وكثيرين اخرين . هنا كان مفترق الطرق لتوجه المسانده الشعبيه التي تشتت في اتجاهات متعدده علي الرغم من توحد المزاج العام للناس الطالب للتغيير .
وعندما شعر اغلبيه الناس بفطرتهم البسيطه بالخطر علي بلادهم من شبح الفوضي اتجهو بأغلبية غير متوقعه لأحد اهم رموز عهد (مبارك) نفسه الذين قامو علي انهاء عصره وهو الفريق شفيق وتبعه ممثل الاخوان البرلماني السابق ( محمد مرسي) . لم يدرك المحللين في هذا الوقت خطوره هذه الاختيارات فقد كان اختيار شفيق يمثل تراجعاً دراماتيكياً عن فكره التغيير المطلق لكل شئ والاكتفاء بإزاحة مبارك رغبه في ضمان الامن والاستقرار الدي انهار بدخول جماعه الاخوان علي خط الثوره وادعاء البطوله فيها و بعدما شاهدو بوادر الفرقه والفوضى العارمه في كل مناحي حياتهم . والاختيار الثاني كان مؤيداً بتوحد الايدلوجية الدينيه كتيار سياسي بما لها من تأثير قوي علي بسطاء الناس .
وكان وضع التيار الديني السياسي غريب عن مصر و لم تعهده من قبل . مصر التي كانت من اكثر دول العالم مدنيه ولم يكن التحزب الديني من ثوابت مجتمعها وثوره ١٩ كانت خير شاهد علي ذلك . كان مجتمعها واسواقها اسواقها تعج بالازياء الباريسيه والانجليزيه و كانت وسط عاصمتها التجاري ارقي من شارع الشانزلزيه ،ظلت كنائسها عامره من الاف السنين وكانت شاهداً و مشاركاً في كافه احداث المجتمع. كان التجار اليهود المصريين هم عماد الاقتصاد المصري ومبانيهم ومعابدهم منتشره بيننا حتي ألان . هذه هي مصر المدنيه بلا تحيز او تنميق والجميع مؤيداً ومعارضاً وحتي الاخوان انفسهم يدركون ذلك جيداً . لم يعهد المصريون ادخال الدين كعامل تمييز او تفريق او تفضيل في مناحي حياتهم العمليه والسياسيه ابداً واحتفظوا به كسياج واق من المبادئ والمشاعر تخص الانسان ذاته في اخلاقياته وتعامله مع الاخرين وبدون فرضيته علي الاخرين .
لم يفهم الكثيرين ان استحواذ ( مرسي) اخيراً علي السلطه كانت تصويتاً عقابياً لنظام اتفق (المزاج العام) للجميع علي تغييره . ولكن الانقسام الحقيقي حدث قبل انتخاب هذا الرجل عندما ضلت المسانده الشعبيه الجارفه طريقها وسط كثره المرشحين في المرحله المبكره لتغيير السلطه بالبلاد و محاوله تحديد انسب الشخصيات لتقود الدفه في ذلك الوقت . وبالتالي فإعتبارات تولي ( مرسي) للحكم قد شابها العديد من التشوه في القرار المجتمعي المنقسم بحده و الذي ادي به الي كرسي الحكم وسط تذمر اكثر من نصف المجتمع وان كان قد استغل بلا شك المزاج العام الموحد الراغب في التغيير بأي وسيله في تلك الفتره، و بدأ الرجل ولايته وسط مجتمع مشطور يتربص كل شطر بالاخر .
لم يفهم الكثيرين وربما حتي ألان الجمله التي صدرت اكثر من مره عن الجيش عندما بدأ ( مرسي) يفقد هويه رئيس الدوله الموحده . تلك الجمله التي لم يلتفت اليها احد وربما حتي الآن وهي ( ويمهل جميع الاطراف مده ٤٨ ساعه للوصول الي اتفاق) ،من هم هؤلاء الاطرف ؟ هؤلاء هم نفس الاطراف التي لم تتفق ودخلت جميعاً في سباق محموم للحصول علي كرسي مبارك . وللأسف لم يجد اي منها مسانده شعبيه حاسمه تمكنه من الوصول الي ذلك الكرسي واستمر بها الحال حتي بعد تولي مرسي للسلطه رغماً عنهم وعن اكثر من ٨٠% من الشعب و ربما سيحملهم التاريخ مسئوليه كافه ما تعرض له الشعب خلال عام ( الاخوان) العصيب .
كل عناصر هذا المشهد العبثي كانت تؤدي الي ضروره فض هذه المعارك الجانبيه والعوده الي الي الشعب وكان ما يعرفه الجميع في ٣٠ يونيو .
وكافه الاحداث حتي ذلك التاريخ كانت من اخراج (الشعب) وحده بدون تدخل من اي طرف لا علي الجانب السياسي ولا الجانب العسكري . وهذا ما يهمنا . اما ما تلي ذلك من احداث فهي قرارات تنظيميه كان لابد من اتخاذها لاعاده السيطره علي دفه السفينه قبل ان توشك علي الغرق ووجدت ارتياحاً من عموم الشعب وساد الهدوء وعاد الشعب الي طبيعته السلميه .
السياسه بلا جدال معترك بين مؤيد ومعارض ولن تجد حاله جماعيه من الاتفاق في اي من دروبها ومشاكلها وكيفيه التعامل معها.
وستجد من ينتقد الظروف الحاليه والمشاكل الاقتصاديه . ويصبح قصوراً وجهلاً ان تنسب كل ذلك الي تغيرات ٣٠ يونيو واحداثها واكرر هنا ان تلك الاحداث هي( مسئوليه الشعب) هو من اتخذ قرارها منفرداً وكان اول بنوده واهمها ازاحه فرقاء السياسه وجماعه الاخوان من بينهم من المشهد بصوره كامله بعد ان تسببو مجتمعين في حاله من الفوضي والانقسام لم تشهد لها البلاد مثيلاً عبر عصور تاريخها الممتد ،ولم تكن القرارت التي اتخذت بعدها سوي وضع قرار الشعب في الصوره الرسميه المناسبه وبالتالي فلا يمكن تحميل هذا الاحداث لأي جهه ومن يسأل عنها هو الشعب بكامل طوائفه .
وعموماً فهذا وقت وانتهي علي اي حال ، اصبح نقطه بدايه فارقه عمرها عشر سنوات مرت في رحله طويله لها الكثير من التأثير علي المجتمع وعليها من الملاحظات مما سيكتبه التاريخ لاحقاً ولكنها تظل كما اسلفنا (قراراً منفرد) لهذا الشعب اتخذه بكامل ارادته و تحمله الجميع ولا يمكن الخوض فيه ألان مهما كان الخلاف والاختلاف .
و ما يهمني ايضاً توضيح امر في غايه الخطوره لكل المتعلقين بأهداب العام الوحيد لحكم مرسي حتي الان وهم مازالو جزء من هذا المجتمع . وهو استمرار وقوعهم في خطأ استراتيجي فادح بمحاوله تأليب الناس علي الاوضاع الحاليه نتيجه ما نعانيه من ظروف ونسبتها الي احداث ٣٠ يونيو . وقد تجد من يساندهم في الرأي ولكن يظل (المزاج العام ) للشعب الذي قامت عليه احداث ٣٠ يونيو هو النقطه الخفيه التي لا يدركونها حتي الان . توحد المزاج الشعبي علي اختيار (الامن والاستقرار) كقرار شعبي و كضمان واقي يمكن في ظله محاوله التأقلم مع العديد من المشاكل الحاليه وضمان سير الحياه كشأن العديد من شعوب هذا الكوكب .
لم تفهم تلك المجموعه هذه النظريه حتي الان علي الرغم مما يدعونه من وجود تأييد لهم و لبعض افكارهم ولكن يأتي( المزاج العام) المستمر منذ احداث يونيو مخيباً لتطلعاتهم ويجعلها اوهاماً و اتعجب في الحقيقه من حاله الاستغراب التي تعتريهم من عدم التفاعل مع طلبهم الدائم للتظاهر او الاحتجاج.
علي من يريد دراسه الاحداث وتحليلها ان يتجه بصفه مجرده عن ايه اهواء او اطماع . وان يعلم ان إقناع ملايين الناس يجب ان يكون مرتكزاً علي واقع ملموس في عقولهم و وجدانهم واقع حقيقي يمس مضمون حياتهم وامنهم واستقرارهم مهما بدا لك من شعارات الغضب و الاحتقان التي تكون وليده اللحظه وتنتهي سريعاً.
التاريخ و الاحداث تؤكد ذلك واهم علاماتها التي نعلمها و عاصرناها جيداً كانت منافسه شفيق الشرسه و المدعومه فعلياً من الشعب ضد ممثل الاخوان في هذا الوقت علي الرغم من غرابه هذا التوجه ، لكنه كان التوجه الدفين في النفوس نحو ( الامن والاستقرار) و لم يقرأه الكثيرين من الفرقاء السياسين واعضاء الجماعه حتي الان . و يظل هذا واقعاً حتي اليوم وتظل مطالب وتوجهات احداث ٣٠ يونيو من الامور الخاصه بالشعب وحده هو من طلبها وفرضها . اما قرارت ٧/٣ فكانت توقيع الاعتماد ليس الا.
واعتقد ان هذا خلاصه القول .
كل عام وانتم بخير
سقراط