الكاتب : سقراط |
02:04 am 25/06/2023
| رأي
| 1111
خبر صغير يتوارى خجلاً في صفحات الجرائد الصباحيه يعلن تنفيذ حكم القصاص في قاتل فتاه المنصوره الجميله ، هذا الشاب الذي اوسعها طعناً حتي ارداها قتيله في حادث هز الرأي العام ومشاعر الناس بشده ، وانبرت انذاك التعليقات من هنا فهناك من يدافع واخر يلعن ويتوعد ، وانتهي كل ذلك الي فقدان شباب في اعمار الزهور لأرواحهم البريئه بعد ان خانهم التوفيق في التعامل مع معطيات الحياه والعلاقات السويه فقدت الفتاه روحها علي يد شاب صغير افتقد النضج وقادته مشاعر المراهقه الزائفه الي التهلكه .
اثار هذا الخبر داخلي سيل من الافكار حول العدل و تحقيق العداله بين الناس في هذه الحاله تحديداً تجد جريمه مكتمله الاركان فيها قاتل ومقتول وتسجيل كامل لاحداث وقوع الجريمه منذ بدايتها واعتراف صريح من هذا الشاب الصغير، قضي الامر و كان الحكم قصاصاً لا قول فيه ولا ابرام .
ولكن هناك حوادث قتل متعدده فيها الكثير من يستطيع ان يقتل بغير سكين او سلاح ويعلم الجميع انه قاتل ويقف القانون عاجزاً عن توجيه اي اتهام له ، فلا يوجد في نصوص القانون ما يعاقب علي القتل بالاهانه او الاشاعات او الاغتيال المعنوي بالفضيحه . الانسان يموت ويقتل بمثل هذه الادوات الغير مجرمه قانوناً او لتقل بصوره اكثر دقه ان عقابها ليس قصاصاً ستجد كثيراً من البشر قتلو نفسهم سماً او انتحاراً نتيجه تعرضهم للانتهاك الجسدي او الفضيحه او الخيانه وما الي ذلك .
هنا يبرز محاوله فهم الفرق في معني العدل والعداله ، العدل هو ناموس حياه بقوانين واجراءات محدده ، وهناك انواع متعدده من العدل . فنبدأ بالعدل المطلق وهو العدل الالهي بقوانينه السماويه دون غيره ، ثم يأتي عدل الاقدار وفيها تدور الايام تكشف فيها الحقائق وترد فيها المظالم بدون تدخل من صاحب المظلمه . ثم يأتي العدل البشري وهو النوع الذي يقيمه البشر بالقوانين المدنيه المنظمه لحياه الناس ، وفي كل هذه الانواع يصبح العدل ناموساً و رمزاً وقانوناً و منصه عاليه ، اما العداله فهي كل الاحداث والاحكام الناشئه عن تطبيق مفهوم العدل علي الناس وهنا تصبح العداله احساساً وشعوراً .
هناك الكثير من الحالات التي اظهرت ان القانون ليس الطريق الوحيد لتحقيق العداله ، لن ادخل في دهاليز ظروف ملايين من القضايا المرفوعه بين الناس بعضهم ببعض والتي يعتقد كل طرف من اطراف النزاع انه صاحب الحق و الاولي بتحقيق العداله فهذا موضوع له خبرائه واساتذته وله من المراجع والكتب ما لا يحصي . ولكن سأتجه الي بعض المعالجات الدراميه التي توضح فكرتنا في معالجه قصور القانون بمفرده في نشر مظله العداله فوق رؤوس الناس .
فتجد مثلاً قصه فيلم ( كتيبه الاعدام) للاستاذ نور الشريف عالج فيه تلفيق جريمه اتهام الخيانه الوطنيه لموظف بسيط ظلماً علي يد بعض تجار ومنتفعي الحرب ولم يجد دليل واحد يدل علي برأته . وتتفاعل الدراما بمحاولات مضنيه لإظهار الحقيقه انتهاءاً بالاقتصاص من المجرم الحقيقي بتضافر عناصر القوه الشعبيه بعيدا عن سطوه القانون و اجراءته .
الهدف نبيل لا شك في ذلك ولكن انتشاره يجعل المجتمع غابه تؤخذ فيه الحقوق بعيداً عن سطوه القانون ، و اعلم انك ستجد صعوبه في تحديد موقفك فيما بين احساسك بشعور المظلوم فجريمه خيانه الوطن لا دونها جريمه و بين تحقيق القصاص بدون احكام قانونيه . وتعطي نهايه الاحداث انطباع العدل الحائر تجاه مثل هذه الحاله ويترك للمشاهد حريه تحديد الحكم المناسب .
اما المثال الاخر الذي يوضح نفس المفهوم هو قصه فيلم (اللعب مع الكبار) للزعيم عادل امام ويتجه فيه الي مساحه اخري غريبه نوعاً ما وهي مساعده العداله الرسميه بالرقابة الشعبيه بعيداً عن تقنين اجراءاتها ، اتخذت هذه العداله اسلوب التجسس علي المكالمات المشبوهه والتي تؤذي المجتمع بالفعل ومن ثم ابلاغ السلطه الامنيه بدعوي كونها (احلام) . الهدف نبيل فعلاً ولكن تنفيذه غير قانوني بل وقد يكون في مستوي الجريمه ، هنا يظهر الاحساس الشعبي وغضبه من الفساد وقد وجد في التجسس علي الفاسدين مبرراً شرعياً لكشف فسادهم و ما يقومون به من مخالفات وجرائم في حق المجتمع كيف تستطيع ان تحقق التوازن بين الشعور النبيل في محاصره الفساد برغبه مجرده عن ايه اهداف شخصيه او ماديه وبين مخالفه ذلك للقانون . هنا تظهر الحيره في مفردات العلاقات الانسانيه فيما بين العدل كمضمون وقانون والعداله كشعور واحاسيس .
اما المثال الاخير فكان ما عرضه احداث فيلم ( التخشيبه) للفنانه نبيله عبيد و تظهر في دور طبيبه محترمه تؤدي واجبها ولا غبار علي سمعتها . لتجد نفسها بالمصادفة انها في معترك قضيه حيكت لها في الظلام باستغلال اجراءت قانونيه عاديه متاحه لكل الناس . لتنتهي الاحداث باغتيال الدكتوره معنوياً وانهيار اسرتها و سمعتها . ثم تتحول الي قاتله عندما تقتص ممن قضي عليها نفسياً و معنوياً بالتدليس في احداث وهميه استطاع وضعها في صيغه اتهام قانونيه . لا استطيع تحديداً شعور من يتعرض لمثل تلك الاحداث والتي يقف فيها القانون عاجزاً عن تحقيق العداله بين اطراف مثل هذه النوعيه من المشاكل الغريبه . وارجو ان لا يتعرض لها احد فهي صعبه علي النفس فيها تنغلق ابواب تحقيق العداله وتؤدي الي فقدان قيمه الاستمرار في الحياه عندمت تتملك الرغبه في الانتقام علي القلوب والعقول فلا حياه بدون شرف او كرامه .
ستظل العداله هي الانشوده الغائبه بين البشر ولها من الشئون الكثير . وسيظل العدل مفهوم وقانون وما بين هذا وذاك تسير حياه الناس .
وقاكم الله من شر ما خفي من اقدار ،،
والسلام ،،
سقراط