06:19 am 14/06/2023
| رأي
| 1125
الكروان غني و صحانا .. مارثون الثانويه العامه يدق اجراسه معلناً قدومه بكل احداثه و مفاجآته . يوقظ الجميع علي طقوس ومشاهد تأتي كل عام في موعدها بدون تغيير او تبديل .
لم يخلف دعاء هذا الكروان ميعاده ابداً منذ اكثر من سبعين عاماً . فيصدح مع ايامها بالاحداث والمفاجآت . و يصبح الكثير منا من ذوي الاعصاب المتوترة والنفوس المشحونه .
تنطلق الدعوات الي عنان السماء من البيوت والمساجد والكنائس . تشعر بأنك في حدث قومي لا تحظي بمثله ايه مناسبه اخري .
ابناؤنا تتدفق كأسراب من الحمام الابيض الجميل وعيونهم حائره مترقبة . الجميع في حاله وجوم حتي تنطلق صافره البدايه وتنتشر الاوراق بين الطلبه كرش الملح في الافراح والموالد .
تلتهم عيون الطلبه محتوياتها ، الكل يتطلع في وجه هذا الضيف المجهول الذي ينتظره الجميع منذ عام كامل .
جهد شهور مضنيه من الضغوط والسهر والانفاق السخي وشراء كل ما تتخيل من كتب ومذكرات ، و متابعات الكترونيه . منظومه كامله من طلبه ومعلمين ومراكز دروس خصوصيه وأولياء امور جميعها تعمل بجد واجتهاد لكشف اسبار تلك المسابقه العجيبه التي لا يوجد مثلها سوي في بلادنا .
وحين تنطلق صفاره النهايه وتغلق الصحف تنطلق اجواء الانفراجة في تساؤلات وضحكات وعويل . مهرجان ثقافي اجتماعي به الكثير من الفانتازيا الدراميه.
نظام عتيق ارتضاه الشعب لنفسه ولم تتدخل فيه ايه سلطه او قرارت . هي مفترق طرق لمستقبل مئات الاف من ابناؤنا منذ عشرات السنين . الجميع يرنو الي مستقبل عريض مفعم بالامنيات والرغبات معظمها للأسف تختلط بمشاعر المراهقه الفكريه غير مكتمله النضوج. و اولياء امور ينظرون الي مستقبل ابناؤهم بنظره عتيقه تاريخيه تقدس مهن معينه دونها الموت .
وللأسف يتم فرض تلك النظره قسراً علي عقول الابناء . وتظل هذه الضغوط هاجساً عند جموع النشئ البرئ لمده عام كامل من عمرهم .
وللحق ظلت بوابه الثانويه العامه هي البوابه الرئيسيه لتحقيق رغبات المستقبل للكثير من ابناء الشعب وكانت ملجأ للكثير منهم للحاق بمجانية التعليم الجامعي الذي لا تتيحه اي دوله في العالم سوانا .
ظلت تداعيات تلك السنه العصيبه علي الرغم من كل التغيرات التي شهدها المجتمع وحياه الناس بصفه عامه في السنوات الاخيره ولم تعد كليات القمه كما اشتهرت بين الطلبه لها نفس البريق السابق . فالطبيب الأن يعاني من ضعف الدخل بعد اعوام طويله من الدراسه والمعاناه والمهندسون يعانون من بطاله غير خافيه . و زادت الاعداد من كل التخصصات وعجزت قدره سوق العمل علي استيعابها . ولم تعد المجانيه بنفس ذات المفهوم السابق . اصبح لكل شئ الان ثمنه .
نوعيه العمل والاحتياجات اختلفت عن الماضي . الدول الشقيقه لم تعد بحاجه الي العديد من اصحاب مهن كليات القمه وقد اصبح لديها الان الكثير من الجامعات المتطوره التي تخرج الاف من ابناءها . دخلت التطبيقات الالكترونيه منافساً لكافه المهن العمليه والنظرية . فيمكنك من خلالها ان تتصل و تعرض حالتك المرضيه علي اكبر اطباء العالم في اي دوله تشاء دون ان تسافر وان تحادثه بالفيديو وكأنك معه.
عدد مهول اخر من التطبيقات الهندسيه والعلميه التي أمكن معها الاستغناء عن رأي ومجهود مهندس او معلم او كيمائي . مثل هذا ثوره ضد فرص البشر في العمل ، وأصبح العالم بأكمله يعاني منها . و أنتشرت البطاله وقله الوظائف بين جنباته.
و تبقي الثانويه العامه كالجبل الصامد ضد كل متغيرات الزمن وظلت صاحبه تأثير مباشر علي حياه المجتمع بكافه طوائفه . فصمدت ضد تغيرات و طرق وانظمه التعليم الجامعي في العديد من الكليات بعد ان هناك التعليم مدفوع الثمن بكليات القمه نتيجه التزاحم الخانق الذي يؤثر علي المستوي العلمي للخريجين فيما بعد . و كانت سبباً رئيس في ظهور منظومه التعليم الجامعي الخاص البعيد عن ثقافتنا العتيقه بعد زياده معدلات درجات النجاح للطلبه وانتشرت هذه الجامعات لاستيعاب الكثير من فاتهم قطار التعليم الحكومي ومن القادرين مادياً .
وعلي الرغم من تغيرات خريطه التعليم وانتهاء مفاهيم المجانيه المطلقه و كليات القمه لم تتغير احداث و تأثير الثانويه العامه علي الناس . ومازال بعضنا يتعايش معها بمفردات الفكر العتيق واحلام المستقبل الذي يعتمل في خيالات العقول مهما كان الواقع والتغيرات .
اقدر تماماً في هذا المقام شعور كل اب وأم في رغبتهم المشروعه في وضع ابناؤهم علي طريق المستقبل الصحيح . ولكن علينا ان نثق ايضاً اننا لا نري فيهم الا ما قدر لهم . دعونا نهون عن انفسنا وابناؤنا هذه الاحمال الثقيله فعقولهم وقلوبهم الخضراء لا تتحمل كل هذه الضغوط . الوسطيه والهدوء تعطي النمو الصحيح لهذه النبتات الصغيره . اسقوها بالثقه بأن الله لن يضيع اجر من احسن عملا . غذوها بالحزم تاره والتشجيع تاره اخري و توفير بيئه الهدوء المنزلي والمناقشه اللينه و نصائح من ماعون خبرتك عن هذه الفتره .
ردد دائماً امامهم المقوله الراسخه في وجدان كل منا ( اعمل ما عليك وليفعل الله ما يشاء) و أعلم ان سبل الرزق هي سر من اسرار ملكوت الله لا تعلم كيف يمنحها ولمن يحجبها . هي اقدار مكتوبه سواء بالثانويه العامه او بغيرها .
قلوبنا ودعواتنا لكل البيوت تلك التي تحوي في جنباتها شباباً غضاً رقيق ارهقه الخوف والقلق من هذه المسابقه العتيدة الصامده ضد تغيرات الزمن و ان يمن الله عليهم بالسكينه والتوفيق ويكشف عنهم عسر هذه المرحله .
وليفعل الله بنا ما يشاء فكل الاشياء تعمل للخير .
وكل عام وانتم بخير ،،
سقراط .