الكاتب : سقراط |
08:31 am 09/06/2023
| رأي
| 1203
يتوق الناس الى الماضي فيبدو لنا زمناً جميلاً مضى ورحل وينعت بكل اصيل وكريم . قد يكون هذا الماضي حافلاً بالام و المعاناة ولكن لا يلبث الا ان نتذكره بكل اجلال وشوق واصفين اياه بأجمل العبارات ومعتبرين احداثه من اجمل الذكريات . لا تعرف سبب لهذا تحديداً ، هل الايام تأتي دائماً بالاسوء ؟ أم هو الخوف من تقدم العمر وانتهاء الأجل ؟ .
و اذا تعمقت فى شوق الناس للماضي البعيد وذكريات التاريخ فتجده يحدث عادة لاستدعاء العديد من الذكريات فمنها ايام الدراسة والمعاناة ومنها احاسيس المعارك والحروب الوطنية القديمة و افراح النصر والفخار بعد ان ضنت حياتنا الحاضرة بمثلها .
لم تعد الحروب الحديثة على شاكلة تلك التي عاصرناها او نقرأ ونسمع عنها ولم تعد عقيده هذه المعارك موجودة اصلاً لدى الكثير من الشعوب بعد ان غلبت الدنيا الجميع واصبحنا ملكاً ليد حداثتها و ماديتها .
وتضافرت هموم الحياة المعيشية والاقتصادية على سكان الكوكب و انغمسوا في مواجهة تلك الموجات المتلاحقة من المشاكل واصبحت السياسة والدبلوماسية بين الدول هي الحرب في شكل جديد تجري رحاها بين المسئولين على طاولات المكاتب المكيفة واختفت تقريباً مصطلحات التعبئه العامة و اخرى عرفها الناس (كجبهة القتال) و اسماء نوعية السلاح الدارجه بين العامة.
والى هذا الحد فالموضوع مفهوم ومقبول فلم تعد اية دولة حتى العظمى منها قادرة على تحمل احداث حروب الماضي المفعمة بالدمار والتشريد والدماء . فكل ما يشيده المجتمع من حضارة ومدن وطرق في عشرات السنين وينفق عليها الملايين من جهده وعمله يأتي دماراً وخراباً مع أول قذيفة او دانة مدفع .
البشرية في اغلبها اتجهت لتحقيق بغيتها من الحروب العسكرية وبنفس اهدافها بطرق اخرى باتت معروفة للجميع . فأصبح هناك مفهوم ومصطلح (القوة الناعمة) وهي السيطرة على الاخرين بما تملكه من مواهب فى كافة مناحي الحياة . و برزت الحروب والالاعيب الاقتصادية العاتية كأحد اهم انواع الحروب الحديثه . ثم انتهي العالم الى حروب التكنولوجيا والميديا والتي اصبحت تغزو كل فرد في هذا العالم من خلال جهاز صغير بين يديك يبث في نفسك وعقلك ما شاء من افكار ومعتقدات .
ولكن تأتي بعض الاحداث لتؤكد على وجود جذوه الشوق الى المنازعة والصدام . ويعتبر هذا ارهاصاً لشعور شعبي يتوارى في نفوس الناس .
لا احد يملك مشاعر الافراد والشعوب في هذا الكون . فلا يمكن لك مهما فعلت او انفقت الصد عن هفو الناس لحج الكعبه وزياره رسول الاسلام . ولن تستطيع ان تثني اخرين عن شعورهم الجارف نحو التوجه الي القدس وتنسم خطوات( المسيح ) في اورشليم .كل هذا واكثر شعوراً شعبياً وعقائدياً لا تستطيع التحكم فيه اي قوه كانت .
و تأتي المودة والبغض بين الشعوب مرتبطة بالمصالح الشخصية اولاً ثم بمصالح الدول ذاتها . فنجد أن من يجد رزقه فى دولة ما اصبح على مودة مع مجتمعها واصبحت اسرته بالتبعية على نفس ذات المودة حتى لو لم تكن هناك . فاذا كان العدد بالملايين في نفس المكان زادت وشائج الموده بين الضيف ومضيفة الى ان تصبح شعوراً شعبياً عاماً .
وعلى العكس يأتي التنافر والبغض مع شعوب اخرى حائلاً امام ايه تعامل بينهما . وتكون هناك العديد من العوامل لذلك منها ماضي مؤلم من احتلال او استعمار او اختلاف جوهري في العقائد الدينيه المتوارثه او شحن متواصل لجهات معينه ضد هذه الدوله وشعبها . و في جميع الحالات يوجد هذا وتلك . ولا يمكن ابداً السباحه ضد التيار بتأييد او رفض الشعور الشعبي علي مختلف توجهاته فأن رفضته فسيأتي هذا بنتائج سلبيه ويخلق شعوراً بالعناد و تكريس صيغه الرفض لكل نصيحه او دراسه وان وافقته فعليك ان تدفع وتتحمل فاتورة مايحدث نتيجة ذلك.
و تأتي مختلف العلوم في العلاقات الانسانيه لتوضح لك كيفيه التعامل مع العدو قبل الصديق ومع الكاره قبل المحب . فالحياة اصبحت اكثر تعقيداً ونضوج العقل والتصرفات اصبح هو من يتحكم في مصير الفرد والشعب . فالمغامرة بانفلات المشاعر والتصرفات اصبحت باهظه التكاليف ولا يتحمل اي شعب تبعاتها مهما كانت قوه اقتصاده وبنيته .
ولعلك تتذكر بأن مصر رزحت تحت الاستعمار لقرابه السبعين عاماً حفلت خلالها بالعمليات الفدائيه لقتل جندي هنا او هناك مع شعور شعبي عام رافض لهذا الاستعمار و لم يكن هذا شفيعاً لرحيل الاستعمار والتحرر خلال تلك السنوات الطويله التي حفلت بجميع انواع المقاومه . اذا يجب ان يوجد ادوات اخري يمكن بها تحقيق المصالح الوطنيه ولا انكر ان الشعور الشعبي هو من احد العوامل الحافزه ولكنه غير كاف بمفرده.
القوة ان تعرف كيف تتعامل مع عدوك بمفردات الحياه المعاصره والحرب الحديثه . فلا يمكن لك ان تطلق الرصاص ودانات المدافع وانت في حاجه الي العديد ممن يقفون مع الجانب الاخر . فيصبح هذا نوع من العبث بمصائر الناس والسذاجه في التعامل مع الواقع.
مسئولية الشعوب و استقرارها والحفاظ علي ثروتها ومفردات حياتها مسئولية جسيمه ، لا يجب فيها النزول علي الرغبات الشعبية العاطفية والتي سرعان ماتبرد جذوتها وتبقى المسئولية الجسيمة حقيقة وواقع كما هي لم تتغير .
كان الرئيس (السادات ) يتهكم على الحروب من خلف الميكروفونات فهي سهلة وتدغدغ الاحساسيس الشعبية العاطفية ولكن كنا نحن من حاربنا ودفعنا ثمن الحرب الحقيقية كاملاً من دماء ابناؤنا وتدمير منشأتنا وخراب اقتصادنا . ازددنا فقراً وازدادوا ثراء .
علينا ان ندرك ان ثمن القرار الشعبي لن يدفع ثمنه او يتحمل مسئوليته الا الشعب نفسه ولن يجلس في مقاعد المتفرجين ابداً فهذه قاعدة لن تتغير ولن تتبدل .
وهنا نأتي الى منتهي القول .. فالحقيقة والواقعية تضع قوانينها شئنا ام ابينا ، ومن اهم احكامها ان عليك بنفسك ان تحدد قدرتك علي دفع فاتورة قرارك كاملة فأن استطعت فأفعل ماشئت . والسلام ،،
#سقراط