الكاتب : سقراط |
11:35 am 01/06/2023
| رأي
| 1338
مصر من فوق غير مصر من تحت ذلك التعبير العبقري الذي قاله الزعيم عادل امام في فيلمه (طيور الظلام) وهو يستمتع بالنظر اليها من الطوابق العليا في احد فنادق القاهرة الفاخرة .
و عندما تحلل هذه العبارة تجد مضمونها عميق وحقيقي علي الرغم من ان مصر هي كما هي لم تتغير سواء كانت النظره من اعلي او من علي ارضها ولكن هي المشاعر التي تتغير وتتضارب في كل حاله .
رؤية مصر جميلة من فوق تكون عادة في حالتين .
الاولى: هي وجودك في الطائره سواء مغادراً او علي وصول .
الثانية: ان تصبح من الاغنياء ومن ذوي الثراء الذي يرفعك الي مستوي اعلي بعيداً عن مشاكل الارض.
كم من شاب او رجل كان يتوق و فعل المستحيل ليغادر ارضه وفي ذهنه رغبة في حياة افضل . وما ان نرتفع الطائرة الي عنان السماء وينظر من نافذة الطائرة الا وتصيبه الدهشه ، هل هذه حقاً هي بلادنا ؟ هل هي كبيرة الى هذه الدرجة، اذاً لماذا كنت اشعر بالاختناق في مكاني ؟ ما كل هذه الطرق التي تمتد وتلتوي كخطوط سوداء طويله ؟ ماهذا الكم الهائل من البيوت والعمارات والسيارات ؟ اسئله وملاحظات كثيره تدور في ذهنه ليصل الي اهم سؤال يعتمل في نفسه وفكره
"لماذا لم يسعني كل هذا ؟ " ومن المؤكد ان بعض الدموع ستذرف منه بلا اراده و لن يستطيع لها منعا .
اما الفئة الثانية فهي من استطاعات ان تصل الثراء الذي يجعل مصر جميله في كل شئ فهو بعيد عن معترك المعاناه والزحام واختناق الجو الحار . مصر جميله في عينه فهي وطنه اولاً ويستمتع بكل ماهو جميل وراق فيه .
ونأتي الى مصر القابعة علي الارض وهي تموج بالحياه وصعوباتها و أفراحها واحزانها . هي مصر ذاتها لم تتغير هي نفسها التي يراها الراحل عنها غاضباً والميسور الذي يراها اجمل بلد في الدنيا . هي نفس الشوارع والأزقة والزحام الخانق وملايين المشروعات والبنايات الشاهقه وامواج البشر علي مختلف مشاربهم وألوانهم .
ما الذي حدث اذاً ولماذا عندما نراها من فوق السحب تتأجج مشاعرنا و احساسنا بحبها . بينما نفقد ذلك كله عندما نعيش و نترجل فيها وتكون امنيات الهروب والسفر هي الهدف المتسلط علينا .
انه اختلاف النفسية بلا شك تلك التي تعتمل بداخلك . فأنت علي الارض تتربص بك مشاعر الاحباط والغضب و تخنق مشاعر الانتماء و الاحساس بالجمال لديك في محيط حياتك و تطلعاتك الضيقه . فأن واجهت مشكله فالعناد يكون سيد الموقف و تستمر في معالجه المشكله بنفس معطيات ومكان حدوثها . قال العلماء في ذلك انه من الغباء ان تستمر في فعل نفس التصرف وتنتظر نتائج مختلفه .
اما في السماء فقد تحررت من هذا المحيط الضيق واصبحت نفسك مهيئه للنظر الي ارض وطنك بشكل مختلف وتندهش ايضاً من اتساعه .
اذاً هل سيصبح الطيران في السماء هرباً وسفراً هو الحل الوحيد؟ . هناك العديد من الاجابات و هناك العديد من السبل التي تساعدك في رؤيه حياتك ووطنك بشكل اخر غير الطيران .
يجب ان تهرب من المكان الذي لفظك او تسبب في كسر طموحك وامالك . ولكل حاله ظروفها المتغيرة ولكن جرأه اتخاذ القرار يجب ان تكون حاضره . لا تخاف من التغيير فلا حياه بدون مجازفة وتغيير . كلنا نعلم الكثير من تلك الامثله التي اتاحت جرأتها وقدرتها علي التغيير ان تتخطي العقبات و ان يصبحو من العظماء . فعميد الادب العربي مثلاً فشل في الحصول على عالمية الازهر واصبح من قامات الادب والفكر العالمي . ونادي الزمالك رفض انضمام محمد صلاح له لتواضع مستواه !! والعالم كله ألان يتغنى بهذا الفتى الذهبي . هذه امثله من كثير وكثير والقاسم المشترك بينها هي القدره علي التغيير والهروب من محيط الفشل الضيق .
لا تيأس ابداً من الظروف او الاحباط او من تعنت فأنت من يملك الحل . عليك بالتغيير مهما كانت تبعاته وصعوباته فلن ينصلح حال في مياه راكده ولا تعاند نفس الظروف والمشاكل .
ونأتي للاجابه علي سؤال راكب الطائره المغادر "لماذا لم يسعني كل ما اراه ؟ " والاجابه اصبحت واضحه ان عقلك وعزيمتك هي التي لم تسع كل ماتراه من نافذة الطائرة . فمصر متسعه و كانت اكبر من تصوراتك وطموحاتك وبها الكثير والكثير مهما كانت المشاكل والصعوبات بها وانت لم توف لنفسك حقها في السعي علي الرزق فهو مكتوب لك حتي لو كان نقشاً علي حجر في مكان ما ولكنك لم تبحث وتتعب وتضحي واتخذت الطريق الاصعب في الهرب منها . فأن اصابك التوفيق فرزقك بالضروره هناك وكان ينتظرك اما غير ذلك فسوء تقدير و اهانه .
الواقع المؤلم ان تجد اغلب مراره الشكوي تتكرر في نفس سبب ومكان حدوث المشكله و بدون وجود اراده عند الشاكي او من حوله لتغيير تلك الظروف لا في الزمان ولا المكان .
حاول قراءة ذلك جيداً فهذا ليس موضوعاً انشائياً او تسجيلياً ولكنه يضع الحل الوحيد لاستمرار حياتك و وسيلتك للاستمتاع بها فليست بالضرورة ان تكون كلها نكداً وكداً وشقاء .
حاول النظر والتطلع من طائرة احلامك وانظر الي مصر من اعلي فهي حق لك من فوق ومن تحت .
والسلام .
سقراط