01:47 pm 18/05/2023
| رأي
| 1227
نسمع كثيراً تعبير ( للوهلة الاولي) . هو تعبير يعبر عن انطباعات وتكوين رأي سريع من النظرة الاولى للأشياء . فالحياة تمتلئ بالنظرات وتأتي بعدها الاحداث .
النظرة الاولى بين البشر تجد اكثرها في مناسبات متعددة معروفة لدينا . تجدها بكل تأكيد في زيارة الطبيب للمره الاولي ، في مقابلة مسئول او في تعارف بين اشخاص ليسوا في دائرة حياتك وما الى ذلك، وقد تولد ايضاً بدون تعارف وبمحض الصدفة .
واذا كانت النظرة الاولي هي حدث عرضي بل لحظي فأن لها تأثير وتوابع بعضها غامض والاخر مثير للدهشة. فتجد علاقات توترت بل وحروب قامت لمجرد عدم الارتياح المتولد بين طرفي النظرة الاولى وبدون سبب مفهوم . وعلى النقيض تجد بعض من زيجات وصداقات وعلاقات قامت بمجرد النظرة الاولى وما يتبعها من احداث. اذا فالنظرات الاولي لها تأثير في حياتنا وتشكل جزء مهم من احداث المستقبل لدينا .
هنا دعنا نتساءل هل يمكن ان نطلق العنان لشعور النظرة الاولى ان يتحكم في تصرفاتنا وردود افعالنا ؟
للاجابة عن هذا السؤال يجب علينا ان نتعرف علي نوعيه النظرات اولاً .
هناك نظرات الاعجاب والدهشه والامتعاض والغضب والعطف . والكثير من تلك النظرات وأعمقها واكثرها صدقاً ما كان منها مصحوباً بالدموع في مواقف الفرح والحزن علي السواء.
فنظرات الاعجاب تأتي في العديد من المواقف منها اعجاب الجمال بين طرفي العلاقه الانسانيه أو التفوق المبهر . ونظرات الدهشه تنطلق عادة من الانبهار بحدث ما او تجاه كل ماهو مفاجئ او مستغرب .اما نظرات الغضب والامتعاض فهي اسلوب للتعبير عن الغضب وتأتي كنوع او رد فعل للثبات الانفعالي للشخصيه . وهي علي كل الاحوال قد تكون اقل تعبير عن حاله من حالات الغضب الداخلي ويكون ظهوره بهذا الشكل هو اقل رد فعل ممكن لا يؤدي الي افعال متهوره تقود صاحبها الي مشاكل عديده مع الاخرين .
وتأتي نظرات العطف ملازمه للحالات الانسانيه التي لا تملك من امرها شئ في حالات المرض والفقر المدقع وتلك النظرات المتبادله بين الانسان والحيونات الاليفه وخاصه ما كان منها متعايشاً مع صاحبه .
وبمثل هذا تولد احساس الوهله الاولى كترجمة لتفاعل العديد من المشاعر الداخليه بين تفكيرك واحساسك وتأثير تلك النظرات عليك ومن ثم ظهور شعورك العام تجاهها .
ويختلف هذا الشعور والتوجه بالطبع باختلاف نوع النظره التي حظي بها الموقف .
ولكن تكمن المشكله الحقيقيه في سرعه تكوين رأي او موقف بناء علي احاسيس الوهله الاولي . فمعظمها يكون وليد اللحظه وبه ومضتها الخاطفة التي لا يجوز فيها تكوين رأي او اسلوب رد فعل او اتخاذ قرار .
ففي كثير من الاحوال قد يزول الاعجاب اللحظي ببدايه التعارف وتبادل الحديث والافكار . وتظهر مفردات الشخصيه امامك ويظهر ايضاً قوه او ضحاله الفكر المقابل لك و مدي التوافق في الاراء والافكار بينكما . ويحدد هذا بالطبع قدرتك علي اداره الحديث والعلاقه علي نحو من الذكاء الذي يحيلك لتأكيد شعور الوهله الاولي او تغيير نظرتك والتعامل بصوره مختلفه .
يستوي ذلك ايضاً مع نقيضه فلربما يصيبك الامتعاض وعدم الاكتراث من شخصيه ما بأن يكون المنظر العام لها موحياً بما ليس فيها من سلبيات او طباع ترجمتها احساسيك اللحظية .
وتجد عكس ما كنت تتوقعه عند الحديث معها ومعرفه طبيعه تلك الشخصيه عن قرب . فتتغير وجهه نظرك تجاهه وتراجع طريقه تعاملك معها.
من المؤكد ان المنظر والهيئه العامه للشخص تلعب دوراً مهما في معطيات الانطباعات الاولي عنه . حيث يمثل حجمه الجسدي وتضاريسه وملبسه وطريقه حديثه دوراً في هذا ايضاً. ولكنها كما قلنا كلها ومضات لا يجب التوقف عندها كثيراً فالأهم منها ان تدرك مع من تتحدث وقدرتك علي التعامل معه . فعندما تذهب الي تلك المنطقه العمليه والانسانيه في العلاقه ستذوب تأثيرات التفاصيل الشخصيه والجسدية وانطباعاتها الاولي لديك و تبدأ تدريجياً في التعامل مع انسان جديد ربما لم يدر بخلدك انه نفس الانسان الذي توقعته عند وقع عليه نظرك لأول مره .
ومهما كانت التحليلات والملاحظات فعلينا فعلا تقدير قيمه النظره الاولي وأهميتها في كونها بوابتك علي العالم الخارجي منك علي الرغم من كافه الحيثيات والمحاذير المتعلقه بقرارتها وليس لك الا ان تغالب نفسك فيما تراه عندها وان تحادثها بمنطقية العقل لا العاطفه حتي لا تقع في هوه نفسيه لا تستطيع معها التعامل كما ينبغي لمن يستحق او تعطي اهميه وحيثية لشخص لا يستحقها .
وعلى الرغم من كل تلك العوامل والمحاذير فما زالت تلك النظرات تبدو علي عموميتها مهمه ومؤثره في العلاقات الانسانيه حتى لو كنت علي علم تام بها وبتأثيرها عليك و مهما كنت حذرا او متحفظاً فالانطباع الاول سيظل له سحره ومكانه في النفس .
و اذا كان الامر كذلك فقد اصبح لزاماً ان تتخذ بعض الاحتياطات التي تقلل من تأثير النظره منك او عليك. فعليك بمظهرك الشخصي المعتدل وان يكون مناسباً للحدث الذي تحضره حتي لا تثير النظرات المستنكرة او المندهشة قدر الامكان . دقق في اختيار عطرك وطريقه حديثك ونبرته. راعي فروق السن فيمن توجه اليه الحديث ولا تصاحب من هم دون سنك بمراحل. ضع ابتسامه علي ثغرك عند التقاؤك مع عيون غريبه عنك وتراك لأول مره. ربما كل هذا سيجعل التأثيرات السلبيه للنظره الاولي عنك اقل وطأه.
واحذر وانقل حذرك لأبنائك من بناء ايه علاقات عاطفيه او قرار للخطبه او الزواج بناء علي تلك النظره فهذا المشروع مآله الفشل حتماً . فالنظرة الاولي وما يتولد عنه للوهله الاولي من بريق الحب وكافه توابع هذا الشعور علي اختلافها هي في الغالب زائفه ولا تستمر طويلاً وتنقشع غيومها بمجرد ظهور شمس واقعيه الحياه والتعامل الحقيقي مع كافه مشاكله وظروفه.
لن تفني الحياه طالما حظيت بالشعور الانساني . هذا الشعور الذي يتدفق من العيون ومن بين ايدينا ويعتمل داخل عقولنا دون اراده منا .
وتظل النظره الاولي وشعور الوهله الاولي من معطيات الشعور الانساني واحواله في الحياه .
قد لا نستطيع السيطره عليه ولكن بخبره الحياه يمكن توظيفه او تحجيمه بل والاستفاده منه في احيان كثيره .
وعلي الرغم من خطورته وما قد يترتب عليه من بعض المشاكل يظل شعور الوهله الاولي جميلاً لدي المراهقين وشعور اجمل لدي الاكبر سناً عندما يغلفه العطف والامتنان في المواقف العفويه المختلفه .
علينا ان نتيقن بقدرتنا علي الاستمرار في ادراك الشعور والاحاسيس الانسانيه ايا كان نوعها وان لا نفرط في تلك المشاعر او نضحي بها تحت عجله الحياه الماديه الجامده . فلا يكون كل همومك ماديه وفي حرب لا تنتهي معها . عليك ان تدرك بأنك في حاجه لاستشعار الام وافراح من حولك وان يكون لديك القدره علي ادراك ملتقي النظرات فحتي لو كانت لحظيه فستظل جميله وقد تظل عالقه بالذهن بلا سبب محدد وتصبح ذكري وخيال يعطيك املا وابتسامه في وقت قد يعز عليك الزمن بهما .
سقراط .