12:32 pm 27/04/2023
| رأي
| 1099
مروة عطيه تكتب : مخلوقات غريبة من التراث القديم (1)
عرف التراث العربي القديم ، قبل الإسلام وبعده ، سلسلة من المخلوقات الغريبة ، والكائنات الأسطورية ، التي ملأت صفحات كتب التراجم والأخبار ، بعضها كان اسطوريا بالكامل ، أما القليل منها فله أصول حقيقية ، في عالم الحيوان الموجود ، أو ذكريات مشوشة لمخلوقات حقيقية كانت تعيش على الأرض في أزمان سابقة ، ولم يدرك السلف منها إلا ذكرياتها واوصافها المبهمة .
من تلك الكائنات العجائبية
(1) الهامة
عًرفت الهامة عند عرب الجاهلية بأنها طائر غير أرضي ، نوع من التجسد الشرير تتجسد فيه أرواح من قتلوا ظلما ، ولم تنل أنفسهم راحة القصاص ، فتخرج الروح الغاضبة على شكل طائر مخيف يقبع فوق كومة قبر صاحبه ، وتروح الهامة تصيح " اسقوني اسقوني " ، والسقاية المطلوبة هنا هي دماء القصاص والثأر !
ذُكرت الهامة في أحاديث النبي بمعني مغاير ومختلف ، ففي الحديث الصحيح :
"عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق».
وأباكما هنا تعني النبي " ابراهيم" عليه السلام ، أما الهامة فقد فسرها أهل العلم بأنها " قال الخطابي: الهامة من الهوام ذوات السموم، وقال ابن فارس: الهوام حشرات الأرض، وقال الهروي: الهوام: الحيات، وكل ذي سم يقتل."
أي أنها اسم يشير لكل دواب الأرض المؤذية ، أو التي تشكل خطرا على الناس ، مثل الحيات والعقارب وسائر الحشرات التي يمكن أن تسبب ضررا محققا للإنسان .
(2) الغول !
أما الغول فهو أكثر شهرة وانتشارا من الهامة ، التي لا تعرف سيرتها بين الاوساط الشعبية العربية إلا نادرا جدا ، والغول يضم طيوفا متعددة من المخلوقات الخرافية ،ويعرف الغول بأنه مخلوق شرير يترصد المسافرين المنقطعين في الصحاري وحدهم ، فيخيفهم وقد يفتك بهم ، وقد ورد ذكره دون تصريح باسمه في بعض الأحاديث النبوية الصحيحة :
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ "
والهوام المقصود بها هنا الحشرات والزواحف وكل ما يمكن أن يسبب ضررا مؤكدا للإنسان ، والغول المرعب أحدها ولا شك ,
وقد ذُكر الغول في مؤلفات كثير من المحدثين والإخباريين العرب ، منهم " ابن منظور " في كتابه ( لسان العرب ) ، إذ أفرد له صفحات مطولة ، نقتبس منها تلك الإشارة المثيرة :
"عن أَبي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ: "أَنّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، فَكَانَتْ تَجِيءُ الغُولُ، فَتَأْخُذَ مِنْهُ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى النبيّ، فَقَالَ: "إذْهَبْ فإِذَا رَأَيْتَهَا" فَقلْ: بِسْمِ الله أَجِيبِي رَسُولَ الله، قالَ: فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا، فَجَاءَ إِلَى النبيّ فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ"؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ قالَ: كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَأوِدَةٌ لِلكَذِبِ، قَالَ: فَأَخَذَهَا مَرّةً أُخْرَى، فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى النبيّ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَقَالَ: "كَذَبَتْ، وَهِيَ مُعَأوِدَةٌ لِلْكَذِبِ". فَأَخَذَهَا فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَاركِكِ، حَتّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَى النبيّ، فَقَالَتْ إِنّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئَاً. آيَةَ الكُرْسِيّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ، فَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ، وَلاَ غَيْرُهُ، قال فَجَاءَ إِلَى النبيّ فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟" قالَ: فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ. قالَ: صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وفي الباب عن أُبّي بن كعبٍ.
والقصص التي تتناول الغول تطورت مع الزمان ، ففي الحكايات الشعبية العربية يرمز الغول إلي كل ما هو شرير ومخيف ، كما أنه تنتشر في صعيد مصر اسطورة أن أرواح الاطفال القتلى تحديدا تتحول إلي غيلان مرعبة !
(3) السعلاة !
ترتبط السعلاة ارتباطا وثيقا بالغول ، من حيث ظهورها للمسافرين المنفردين ، وقدرتها على ايقاع الضرر بها ، لكنها أكثر إلهاما بكونها شخصية أنثوية في الأساس ، والسعلاة قريبة الشبه في أصولها بالنداهة التي تعرفها الثقافة الشعبية المصرية ، فهي مثلها تتجسد في صورة امرأة رائعة الجمال ، وتتصدي للمنقطعين وحدهم في البوادي أو الأراضي الخلاء ، وتغويهم ليحملوها معهم ، ثم تظهر وجهها وتكوينها الحقيقي المخيف ، وغالبا ما تحاول الضحية المقاومة والفرار ، غير أن ذلك لا يجديها نفعا ، لأن السعلاة الشيطانية تهاجمه ، وتطرحه أرضا ، تم تتلذذ بشرب دماءه وإرواء غلتها منه .
ذكرت السعلاة في بعض القصص والحكايات الشعبية العربية المغرقة في القدم ، ومن بينها قصص ذكرت في كتب تحمل الطابع العلمي ، ممل يدل على أنه حتى بعض فطاحل وعلماء العرب المعدودين كانوا يصدقون في وجودها ، فقد ذكرها الجاحظ في كتابه الحيوان قائلا :
(السِّعْلاة اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول لتفتن السفار. قالوا: وإنما هذا منها على العبث، أو لعلها تبغي أن تفزع إنسانًا جميلا فتغير عقله، فتداخله عند ذلك. وقد فرق بين الغول والسِّعلاة عُبيد بن أيوب .. وهم إذا رأوا المرأة حديدة الطرف والذهن، سريعة الحركة، ممشوقة ممحَّصة قالوا: سِعلاة. (الجاحظ: الحيوان، ج6، ص 160 بتصرف )
أما ابن منظور فقد تحدث عنها قائلا :
"الغُول أَحد الغِيلان، وهي جنس من الشياطين والجن، كانت العرب تزعم أَن الغُول في الفَلاة تتراءَى للناس فتَتَغَوّل تغوّلاً- أَي تتلوَّن تلوّنًا في صُوَر شتَّى، وتَغُولهم أَي تضلهم عن الطريق وتهلكهم. ورد في حديث شريف "لا غول..."، وقيل: قوله لا غُولَ ليس نفيًا لعين الغُول ووُجوده، وإِنما فيه إِبطال زعم العرب في تلوّنه بالصُّوَر المختلفة واغْتياله، فيكون المعنيّ بقوله "لا غُولَ" أَنها لا تستطيع أَن تُضل أَحدًا. ومن معاني الغُول: الحيَّة، والجمع أَغْوال "
نفس المرجع السابق
إذن فهناك إجماع عربي على انتماء السعلاة لجنس الجن والشياطين ، وأنها تشكل خطرا داهما على المسافرين ليلا .
ولعل الغولة والسعلاة ليسا إلا تكريس لظهورات نادرة لبعض انواع الحيوانات ، والمخلوقات المجهولة التي تعيش في الصحاري والمناطق المنعزلة ، وتلحق الأذى بالمسافرين المنقطعين وحدهم .
غير أن القصص الشعبية العربية وغير العربية لا تزال حافلة بقائمة لا تنتهي من المخلوقات الأسطورية ، التي تلهب الخيال بقصصها المدهشة !