02:28 pm 24/03/2023
| رأي
| 1066
مروه عطية تكتب : غرائب فاطمية
كيف كان الفاطميين يحتفلون بأعيادهم !
عُرف الفاطميون، الذين حكموا مصر من عام 969م (358هجرية ) ،وحتى إعلان " صلاح الدين الأيوبي " سقوط ولاية " العاضد بالله الفاطمي " وخلعه من الخلافة عام 1171م ( 567هجرية ) ،بعدة مميزات حضارية وثقافية ،بالإضافة إلي تسامحهم وتقبلهم لأصحاب العقائد الأخرى ، الموجودين في أراضي دولتهم الشاسعة ، فقد تميزوا أيضا بحبهم لأجواء الاحتفالات ، وولعهم بالانغماس في اللهو وانتهاز أي فرصة للاحتفال والبهرجة والزينة ، وقد تميز عصرهم بالبذخ الشديد ، فيروي أنه ليلة اختطاط مدينة القاهرة ، على يد جوهر الصقلي ، حُملت صناديق أموال تخص المعز لدين الله ،الذي كان لا يزال مقيما في المغرب ،وكانت الأموال من الكثرة والعظمة بحيث أنها وزعت على ألف وخمسمائة صندوق (المقريزي ) ، وكان أول مظاهر التغيير التي أدخلها الفاطميين على أجواء الاحتفالات في مصر هو استعمال الأفيال في المواكب ، وكان "المعز لدين الله" اول من استنها ،إذ أنه ظهر في موكب ، عقب أول صلاة عيد فطر له في مصر بعد قدومه إليها ،مع أولاده الأربعة البالغين ،وفيلين يتوسطان الموكب الذي عاد به إلي قصره من الجامع الأزهر ، وكان يسمي حينئذ (مصلي القاهرة) ، كما ظهر في ذلك اليوم ميل الفاطميين إلي الإغداق على الناس ،في المأدبة الحافلة التي أقامها الخليفة الجديد للناس ،بل حتى وصل الأمر أنه أمر الناس بالانكباب على الطعام والشراب ، وهدد من بلغه أنه يصوم يوم العيد بالعقاب والتأديب !
وقد اشتهر عن الفاطميين الاحتفال الغريب المسمى بكسر الخليج ، وهو طقس يعلن به بداية الاحتفال بوفاء النيل ،الذي ورثه المصريون عن اجدادهم عبر الأجيال ،لكن الفاطميين بشغفهم بالاحتفالات أدخلوا عليه تعديلا طريفا، يتمثل في تعطير مقياس النيل ، وكان ذلك الاحتفال عظيما ومهيبا بمعني الكلمة ، وننقل وصفه عن المؤرخ " ابو العباس احمد القلقشندي" في كتاب (صبح الاعشا بصناعة الانشا ) ،الذي يذكر أنه كان من عادة خلفاء الفاطميين الخروج لحضور ذلك الاحتفال ،بعد أن تنصب لهم خيمة عظيمة تعرف بالقاتول ، وتتقدمه أربعون بوقا تضرب ، يكون عشرة منها مصنوعة من الذهب ، ويخرج الخليفة من قصره وعليه ثوب من الحرير موشي بالذهب ،ويُمد سماط عامر بالأطعمة الغالية ،وتعطر معدات الاحتفال كلها بالعطور والتوابل النفيسة (تسمي حينها الأفاوية ) !
سوي ذلك فقد كانت المواكب جزء لا يتجزأ من حياة خلفاء الفاطميين ، وكانوا ينتهزن أي فرصة للخروج إلي الرعية في زينتهم ويقومون بتوزيع الأموال ، واستعراض مقتنياتهم من الحيوانات النادرة ،فغير الأفيال كانوا يظهرون في مواكبهم الأسود والزرافات ،وكلها عليها من الزينة والزخارف الشيء الكثير ،المستفاد من تلك القصص هو حب الفاطميين عموما للحفلات والمهرجانات ،التي كانت تتوافق في زمنهم مع المناسبات الدينية .
شهر رمضان بنفحاته الطيبة كان له جزء كبير من اهتمام الفاطميين وشغفهم ، فقد كان يوم إعلان رؤية هلال رمضان يعد حدثا استثنائيا ،فيخرج الخليفة من القصر في زينته ،وحوله الوزراء وكلهم محاطين بالأغراض المطعمة بالذهب ،وهم يرفلون في حلل موشاة بالذهب ،وحتى الباب الذي كان يشهد خروج هذا الموكب الفاخر كان يسمي بباب الذهب ،ويطوف الموكب على الأسواق ،وكان الناس يتسابقون في تزيين بيوتهم وحوانيتهم (دكاكينهم ومتاجرهم ) لهذا اليوم الفريد ،وكانت الصدقات توزع على طول الطريق الذي يسلكه موكب الخليفة ،أما بالنسبة للأمراء فترسل إليهم هدية عبارة عن طبق كبير من الفضة النقية ، وعليه تشكيلة من الحلوى توضع في قلبها صرة مليئة بدنانير ذهبية ، وكان الفقراء ينالون نصيبهم من الفرحة بقدوم شهر رمضان ،فبالإضافة إلي الصدقات المالية ،كانت توزع عليهم كسوات وبخور وعيدان مسك ،وغيرها من الألطاف (الهدايا) الثمينة ،ومن أجلها كان سكان مصر في عهد الفاطميين ينتظرون استطلاع هلال رمضان بفارغ الصبر .
اشتهر الفاطميين أيضا بحبهم للأطعمة الفريدة والحلوى ،وكانت تصنع في أيام رمضان كميات هائلة من القطايف والكنافة ،وكان بعضها يوزع في الشوارع والأسواق على الفقراء وذوي الحاجة ،وكانت تلك الحلوى تتوفر في الأسواق طيلة أيام الشهر الكريم ، أما آخر ليالي رمضان فكانت حدثا فريدا ،إذ يتم إحيائها في القصر الشرقي الكبير بقراءة القرآن الكريم ،والإنشاد الديني ،وتختتم الاحتفالات بنثر الدنانير الذهبية على الحضور .
كذلك فقد عرف عن الفاطميين تسامحهم الديني ، واحتفالهم بمناسبات دينية مسيحية في أرجاء دولتهم ،بشكل يناظر احتفالاتهم الإسلامية ،فكانت المواكب تسير والعطايا تُمنح في عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك ،ومولد الإمام الحسين ومولد السيدة "فاطمة الزهراء " ،كما كان يحدث المثل في يوم خميس العهد ،ويوم عيد الميلاد وهكذا .
أما أكثر ما عرف عن الفاطميين إثارة للدهشة فهو المقدار المهول من الأموال التي كانوا ينفقونها في احتفالاتهم ،إلي حد دفع بعض الباحثتين للتساؤل عن مصدر تلك الأموال الجزيلة ،ففي احتفال ختان أولاد المعز لدين الله ،دعي الخليفة الناس لختان أبناءهم مع أولاده ،فتم ختان حوالي ربع مليون طفل في (المنصورية) ،عاصمة الفاطميين في تونس قبيل دخولهم إلي مصر ،وبناء القاهرة ،وقد أعطي كل طفل منهم هبة من دار الخلافة ما بين مائة ومائة وخمسين درهما ،فمن أين حصل خلفاء الفاطميين على ذلك المقدار الضخم من الأموال ؟!
المقال القادم : خلفاء من نوعية أخري : مجانين حكموا الدولة الإسلامية !
المصادر :
1- صبح الأعشى في صناعة الانشا ( أبو العباس القلقشندي ) الجزء 3
2- اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء. (تقي الدين المقريزي)