مروه عطية تكتب : سقوط الخلافة العباسية

بعكس الخلافة الأموية، التي سقطت مرة واحدة، بعد مرحلة انحدار وتفكك، بسبب مؤثر خارجي قوي : وهو الدعوة العباسية، ثم الثورة التي قادها أحفاد العباس، عم النبي صلي الله عليه وسلم، فإن الدولة العباسية، التي قامت رسميا عام 132هجرية، 750 م، مرت بفترة تدهور طويلة جدا، استمرت قرابة المائة عام، ثم انهارت في النهاية لعدة أسباب، منهم عوامل داخلية، فتكت باستقرار وتماسك الدولة، وعامل خارجي، تمثل في غزوات الصليبين ثم التتار، الذين أنقضوا على العاصمة الخالدة بغداد، وقتلوا وحرقوا ونهبوا فيها، ودمروا مكتباتها الزاهرة، وحتى الخليفة العباسي نفسه لم يسلم من وحشيتهم وحقدهم، فقتلوه هو أيضا، ليتمموا به جبلا من القتلى، يصل به بعض المؤرخين، إلي رقم مخيف، هو أثنين مليون من الضحايا ( 2000000000) الأبرياء !

سقوط الخلافة العباسية العظيمة، التي دامت خمسة قرون ونيف، له أسباب عديدة ومتشابكة ومتداخلة، لكن أهمها هو ما يلي سرده :

1- تكرار العباسيين لخطأ الأمويين القاتل بتولية العهد لأكثر من أمير، وغالبا ما يكونا أخوين، أو تقسيم الحكم بينهما، مما نتج عنه حروب وصراعات بين الإخوة، أشهرها النزاع بين ابني هارون الرشيد " الأمين والمأمون"، وكان الخلافة للأول، والذي أنتهي بقتل الأمين على يد قواد أخيه غير الشقيق !
2- تفكك وانقسام الدولة العباسية إلي دويلات مستقلة، تدين للعباسيين بولاء اسمي فقط ( الطولونيين ثم الإخشيديين في مصر، الحمدانيين في الشام، بني بويه في العراق )
3- تولي زمام قيادة الجيوش، ثم زعامة الحكم فيها، لعناصر غير عربية، لا تبحث إلا عن مصلحتها الخاصة، على حساب دولة بني العباس، التي كانوا ينظرون إليها إنها دولة ( العرب)، برغم أن خلفاءها كانوا منحازين للموالي ( الفرس والترك) بشكل تام، وغالبا ما كانت أمهات الخلفاء اللاحقين، بعد نهاية حكم " محمد الأمين" بن " هارون الرشيد"، من الموالي ( تركيات وفارسيات )
4- ضعف وتدهور قوة الخلفاء العباسيين، الذين ظهر منهم في العصر العباسي الأول ( مائة عام من المجد والقوة ) شخصيات عظيمة، وبالغة القوة والسيطرة على شئون الحكم، مثل " أبو جعفر المنصور والرشيد والمأمون والمعتصم "، وبدأ الخلفاء يهتمون بأمور اللهو والمجون، ومع زيادة موارد الدولة انتشرت الرفاهية الزائدة، وما تبعها من فساد وانحلال خلقي، انتهي بوجود حفنة من الخلفاء، لا تهمهم أمور الحكم كثيرا، ولا يقدرون على السيطرة عليها، إن حاولوا ذلك، لأن القواد من غير العرب غلبوهم على أمرهم، وأصبح الأمر والنهي في أيديهم هم وحدهم !
5- حملات الصليبيين التي بدأت عام 1096 م، وحققت أولي نجاحاتها عام 1099، وانتهت حملتها المنظمة الأولي باقتطاع أربع مدن وولايات إسلامية، وتحويلها إلي ممالك وإمارات صليبية، وهي ( بيت المقدس والرها وأنطاكية وطرابلس ) .
6- غزو المغول كان هو معول الهدم الأخير، الذي قضي تماما على وجود الدولة العباسية، وأنتهي يوم حصار، ثم اقتحام بغداد، والمذبحة المروعة التي ارتكبت فيها، وحتى دور العلم والمكتبات قاموا بنهبها، وتدمير كنوزها الثقافية والعلمية، من الكتب والمخطوطات النادرة !
سقوط الخلافة العباسية فصل حزين جدا من فصول التاريخ العربي والإسلامي، لكنه فصل ملهم، وموحي بكثير من الدروس والعبر، التي يمكن أن نتعلمها منه !
الحلقة القادمة : سقوط الدولة الفاطمية .

مراجع المقال :
1- الدولة العباسية: مراحل تاريخها و حضارتها ( 132 - 656 هـ / 750 - 1258 م ) / د سوزي حمود .
2- سقوط الدولة العباسية/ د  سعد بن محمد حذيفة الغامدي
3- كتاب الدولة العباسية قيامها وسقوطها / المؤلف : حسن خليفة