10:21 am 18/02/2023
| رأي
| 1442
يخطئ من يظن ان تخصصه العملي والمهني هو غايه الدنيا التي يعيشها وكافه ما يتعلق بها وان ماعدا ذلك هراء .فتلاحظ ان بعضا من كل صاحب مهنه او وظيفه بات يسخر من اي نشاط فني او ادبي معتبرا اياه نوعا من تضييع الوقت والمال او يرمي علي صاحبه بتهمه التوجه لتحقيق غرض.
وتلاحظ هذا في تدهور مبيعات الكتب والصحف في بلادنا وعدم القدره علي القراءه حتي الاليكترونيه منها . بينما تجد نسب المشاهده بالاف اذا ماتعلق الامر بميزه او منحه ماديه ذات قيمه محدوده او ياحبذا لو تعلق الخبر بفضيحه فتجد المشاهده ارتفعت للارقام السته.
وليعلم هؤلاء بأن بعض الفنانين والفرق العالميه في اوجه الفن المتعدده او كتاب يصدر هنا او هناك تحقق بعضها اضعاف اضعاف ميزانيه دول كامله.
وما كنت لأكتب لهذا الموقع المحترم الا كمحاوله لأعاده القدره علي الاحساس بمناحي الحياه المختلفه وان لا تنحصر حياتنا في انتظار علاوه او وظيفه او سماع خبر عن هذا او ذاك. وارجو ممن لا تتولد عنده القناعه بهذا ان لا يجهد نفسه بمحاوله قراءه ما نكتب .ونبشره بأنه سيطويه نسيان البشر لحظه انتهاء دوره في الانتظار والتهكم.
لم تكن هذه المقدمه عزاء لكل كاتب او مجتهد لتوصيل فكره او معلومه فكل من يحاول في هذا المضمار انما يحاول ان يثري النقاش والتفاهم بينه وبين مجتمعه وغايته الاسمي ان يري مايفيد الناس في موقف من مواقف الحياه ويعزيها ان لزم الامر وان يعيد الضمير الانساني الي دوره من التواد والتراحم والاحترام وعدم التدخل في كل مالايعنيه كما تعلمنا صغار . هنا يكون للكاتب والمكتوب دوره في التوضيح والكشف وربما اتاح الوسيله ايضا لتحقيق هذا الهدف .
وفي هذا المقال سأوضح مدي تأثر البشريه والمجتمعات باحدي مجالات الفن الجميله وهو( الاغنيه) وخاصه العربيه والتي كان لها دور كبير في تشكيل ضمير المجتمع وحشد طاقته عند الشدائد ومقاومه الاحباط والهزيمه واهازيج الفرح والانتصار ايضا. وايضا التعبير عن المشاعر الجميله بين البشر ومناغمه الذكريات .وازعم ان هذا قد افتقدناه في حياتنا المعاصره .
بدأت الاغنيه العربيه منذ ازمنه بعيده وما نعرفه عنها كيف كان النساء في عهد النبوه بغناء بعض الاهازيج وكان رسول الله سمحا مبتسما عند سماعها ولم يمنعها او يتبرم منها . ولكنهم كانو يهرعون خوفا عند رؤيتهم لابن الخطاب وهو ما كان يزيد رسول الله ابتساما . فلا لهو ولا غناء يقبله ابن الخطاب هذا الرجل الذي خشاه ابليس وابتعد عنه.
ولم تجد الانسانيه ما يعبر عن بهجتها وفرحها باستقبال الانبياء في بلاد مختلفه سوي الاناشيد اللحنيه التي تخرج بعفويه صادقه من القلوب وتنظمها العقول و جمال اللغه . ويظل اشهرها علي مدار التاريخ استقبال خاتم المرسلين علي ابواب يثرب بالانشوده الخالده (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع .. ) والتي لا تزال اللحن الخالد للمسلمين في كافه بقاع الارض.
ايضا تم استقبال السيد المسيح في اورشليم وعلي جبل الزيتون بالاغاني والترانيم وسعف النخيل وهو ما يتم الاحتفال به وترديده حتي الأن. ومازالت ترانيم هذا الدين السماوي ذات الالحان الجميله نبراسا لكل مريديه والمؤمنين به ويزيدهم تعلقا به وايمانا .
وجاء العصر الاموي ويليه العباسي لتنتشر الاغاني في القصور والملاهي بعد ان انتشر الثراء وازدهرت فيها الحركه الثقافيه والفنيه نتيجه الانفتاح علي ثقافات اخري من من كافه الاصقاع التي اصبحت تحت لواء الدولتين واصبح ايضا للأغاني علم و كتاب وادباء مثل الاصفهاني .وقد افرز هذا الزمن العديد من المقامات اللحنيه اضحت كعلوم في مدارس اللحن والغناء و مازالت حيه حتي الأن في النغم العربي وقواعد وضعه ولحنه.
وبأقتراب عتبات الزمن ظهر الانشاد الديني وتأتي درته في الانشاد الصوفي بكل طرقه وحفلت المساجد الكبري في القاهره الفاطميه بدرر من هذا الانشاد . ولا تكتمل بهجه الناس بمقدم رمضان حتي يومنا هذا الا بصوت الشيخ النقشبندي .
وقد امسكت السيده ام كلثوم بأطراف هذا الفن في بدايتها الاولي عندما كانت تنشد مرتديه العقال البدوي بصحبه والدها الشيخ مصطفي البلتاجي . الحانا وقصائد للشيخ زكريا احمد . وتطورت الاغنيه المصريه تحديدا بأجيال من القمم المعروفه لنا جميعا. واصبحت مصر بوتقه للفن العربي واحتضنت علامات بارزه في الغناء مثل فايزه احمد (سوريا) فريد (لبنان) ورده (الجزائر) وعزيزه جلال(المغرب) . وغيرهم كثير .
وتحول المجتمع الغنائي في مصر لنموذج للجامعه العربيه علي مستوي الشعوب في ازهي صوره .
وهكذا لعبت الاغنيه دورا هاما في لم الشمل وتوحيد الصف وامتزاج الحضارات والامزجه وتذويب الفوارق بين المجتمعات العربيه.
وامتد هذا التأثير الي مرحله النضال الثوري والتحرري والقضايا المشتركه. وظهرت اغاني الثورات التي ظلت عالقه بالادهان والذكريات وتبعها مراحل النضال في القضايا المصيريه كبناء السد العالي حيث لعبت الاغنيه دورا كبيرا في حشد الطاقات وخلق روح التحدي والاصرار علي البناء مهما كانت الصعوبات والمؤمرات وكان ايضا هناك العديد من المناسبات والتي اكتسبت زخما مجتمعيا و كان لهذا الفن تأثيرا واضحا وعلي سبيل المثال عيد الفلاح وبناء التلفزيون المصري واعياد العمال وعيد العلم الذي كان يحضرها جميعا الرئيس جمال عبد الناصر وذلك بعد ثوره يوليو ٥٢.
ثم تأتي هزيمه يونيو ١٩٦٧..
والي اللقاء في الجزء الثاني .
#أشرف_زغدان #حكاوي_علام