03:42 pm 17/02/2023
| رأي
| 1065
د.محمد العليمي يكتب: العدالة بين السماء والأرض
هل للعدالة مكان في الدنيا؟! وهل الأرزاق متساوية؟ أخبرونا أن كل إنسان لديه نصيب من أرزاق الدنيا: مال، علم، صحة، سعادة و...، إن زادت نسبة واحدة أخذت من نسبة الأخرى! ولكن كيف يمكن أن يكون البشر متساوين؟! حاولت البحث عن العدالة في الأرض بشتى السُبل، افترضت أن هناك أموراً لا نعلمها عن الآخرين فلا يمكننا الحكم من خلال ما نعرفه، فقد نشاهد الجانب البائس من حياة أحدهم، رغم وجود أشياء سعيدة فيها، ولا نرى من حياة ذلك سوى حلوها وسعادتها رغم بؤسها في الواقع، كما افترضت أننا لانعلم ماضي الناس وحاضرهم، فقد يكون بائساً أو مُبتلى الآن لكنه كان سعيداً في الماضي أو سينال نصيبه من السعادة في المستقبل! ولكني أدركت ان فرضية ربط السعادة بالرزق فرضية خاطئة، لأن السعادة قرار، فقد يكون المرء فقيراً لكنه راضٍ وسعيد، غنياً لكنه غير راضٍ أو سعيد، أن العدالة قد لا تكون في الأرزاق لكنها تكون في الرضا والسعادة !
في الحقيقة، إن أقدارنا في الدنيا لم ولن تكن عادلة، فالفقير المشرد المعدم المريض الجاهل لا يتساوى بالغني المعافى المتعلم الناجح، تلك هي أقدارنا في الدنيا، البعض يملك الكثير والبعض لايملك شيئاً، البعض يحبه الجميع والبعض لايحبه أحد، البعض معذب ومضطهد والبعض الآخر حر ومرفه، ولله عز وجل في ذلك حِكَم، أولها: "الابتلاء" حيث ورد في قوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)، ثانيها: "تكامل المجتمع" كما يقول الله تعالى: (نحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)، وفي هذه الآية تأكيد أن مبدأ المفاضلة قائم (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا)، إذن فالبشر ليسوا متساوين في الدنيا، وحكمة الله في ذلك أن سخر البشر لبعضهم البعض، وأن يبلوهم ويختبرهم فيما آتاهم، فالغني ممتحن في غناه أينفقه فيما أحل الله ويتصدق منه؟ أم يصبح غناه هو مفسدته، والفقير ممتحن في فقره، أيرضى ويسعى وراء الحلال؟ أم يسقط في بئر الحرام!
لو كانت أقدارنا عادلة ومتساوية في الدنيا فلماذا يخبرنا الحبيب المصطفى ﷺ في الحديث الصحيح: "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنياهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام"! وفي هذا توضيح ان أقدار وأرزاق الدنيا ليست عادلة، ولكن جزاء الله في السماء عادل، ولكل منا جزاؤه على قدر ابتلائه وصبره وسعيه، ويقول تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ)، في قوله تعالى (لَاظُلْمَ الْيَوْمَ) يؤكد على انتهاء فترة الظلم وبداية فترة العدل الإلهي، وهذا لايتعارض مع صفة الله "العدل"، حيث لم يُذكَر في القرآن الكريم اسم الله "العدل" صراحة ولكن كان دائما يأتي العدل في صيغة الأمر الرباني لعباده، فيقول المولى تبارك وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) وقوله (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، فالعدل في الدنيا هو مهمة البشر التي أوكلها لهم الله عز وجل، أما في الآخرة فالعدل يحققه الله عز وجل بنفسه.