01:11 am 18/10/2022
| رأي
| 2014
د أحمد عبدالفتاح يكتب: هل يكون مؤتمر المناخ بداية للتصالح بين البيئة والتنمية ؟
تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى تعود الدولة المصرية من جديد لتتصدر المشهد العالمى مرة أخرى فى حدث هو الأبرز والأهم ,إذ تؤثر نتائجه على مستقبل كوكب الارض على المدى القريب والبعيد. حيث أعلن الرئيس ان مصر ستعمل على جعل المؤتمر نقطة تحول جذرية فى جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الاطراف لصالح افريقيا والعالم بأسره.
ولقد بدأ العد التنازلى - فأيام قليلة ويصل قطار قمة الأمم المتحدة لمؤتمر المناخ الى المحطة السابعة والعشرون Cope27 والذى قطع عدة محطات فى ثلاثون عاما من اجل خفض التاثيرات السلبية الحراراية المتزايدة على مناخ كوكب الارض.
بداية من السادس وحتى الثامن عشر من نوفمبر تتجه انظار العالم الى مدينة شرم الشيخ- مدينة السلام والسحر والجمال بطبيعتها الخلابة ونقاء جوها وشمسها المشرقة على أرض سيناء مهد الرسالات السماوية التى تجلى عليها رب العزة فزادها تعظيمًا وتشريفًا وبهاءًا حيث تستضيف مصر قمة هذا العام من مؤتمر المناخ Cope 27 .
القمة السابقة عقدت فى جلاسكو فى المملكة المتحدة حيث توصل المشاركون لأتفاق يهدف لتقليل حجم المخاطر البيئية التى يتعرض لها كوكب الارض. الأتفاقية كانت الاولى من نوعها التى تنص على العمل على تقليل معدل الانبعاثات الغازية وتوفير دعم مالى للدول النامية والمتوسطة للتكيف مع تبعات التغير المناخى الذى يشهده كوكب الارض..... وتنص صراحة على تقليل استخدام الفحم الذى يمثل اكبر العناصرالتى تسبب الانبعاثات الغازية الحرارية فى الجو.
وهناك تساؤلات هامة:
• فهل سيتم اتخاذ القرارات والتعهدات اللازمة من تلك الدول المشاركة وغيرها؟
• وهل آن الأوان ليدرك العالم خطورة وضع المناخ العالمى ويضعون قرارات المؤتمر حيز التنفيذ؟ أم سيستمر العالم فى النظر تحت قدميه لاهثًا خلف التطورات الصناعية إلى أن يفيق على كارثة تلتهم دون رحمة اليابس والاخضر وكل ما صنعته يد الدول الصناعية الكبرى ولكن بعد فوات الأوان !!!
• أم ستكون تلك المحطة هى نقطة البداية الحقيقية فى تحسين المناخ العالمى وتحريره من الاحتباس الحرارى الذى قيده ويعانى منه منذ زيادة الانشطة الصناعية فى الدول الكبرى فى نصف القرن الاخير.؟
• والسؤال الملح . هل ستكون هناك ضمانات حقيقية وقرارات ملزمة وهل سيتم الاتفاق على جمع اموال خاصة لتعويض الدول النامية والفقيرة عن الكوارث التى سببتها الدول الصناعية الكبرى.؟
أسألة هامة وخطيرة نتمنى ان نجد لها اجابة خلال مؤتمر شرم الشيخ اذ تشكل ملامح المناخ وتأثيراته على كوكبنا خلال السنوات القادمة ..
الاحتباس الحرارى
وحتى نحاول ان ندرك ما يحدث الآن على كوكبنا من التأثيرات السلبية على المناخ وما تصنعه الدول الصناعية الكبرى وما تسبب فى كثير من الكوارث فضلاً عن الكثير من الدول التى تحذو حذوها من تغيير حرارة الارض بسبب الانبعاثات الحرارية الكربونية الناتجة عن كثير من الصناعات.
وحين تسمع عن الانبعاثات الكربونية فأن اول ما يخطر بالبال هو دخان المصانع ومحطات الطاقة وخاصة التى تعمل بالفحم...ولكن الواقع المؤلم ان الانبعاثات الكربونية هى جزء من حياتنا اليومية وجميع تلك الغازات الدفيئة تنطلق فى الغلاف الجوى محبوسة فى طبقة الغلاف الجوى السفلى مساهمة فى الاحتباس الحرارى.
وهنا يجب الاشارة الى بعض التعريفات وبعض المخاطر واسبابها واحتمالية طرق علاجها.
1- غازات الاحتراروهى الغازات التى تنتج عنها ارتفاع فى درجة الحرارة عندانبعاثها فى الغلاف الجوى مثل ثانى اكسيد الكربون والميثان واوكسيد النيتروز.
2- الاحتباس الحرارى وهى الحرارة الناتجة ومقيدة فى طبقة الغلاف الجوى السفلى.
3- وهناك كوارث حرائق الغابات واستأصالها.
4- وايضا كوارث ذوبان الجليد فى القطبين نتيجة ارتفاع الحرارة وما قد تسببه من ذوبان الجليد وارتفاع مستوى مياه البحار مسببة غرق واختفاء مدن بكاملها من على خريطة كوكب الارض.
ان غازات الانباعاثات الطبيعية بعضها بسيط ولايمكن الاستغناء عنها كالتنفس وكثير من الانبعاثات الطبيعية فى المحيطات ولكن يجب وضع حد للمصادر الاخرى ا لكبيرة والخطيرة التى يمكن استبدالها كحرق الوقود الاحفورى(البترولى) والفحم لانتاج الطاقة واستخدام وسائل المواصلا ت العاملة بالوقود وذلك الى أهم جانب من الجوانب الهامة وهو ازالة الغابات لتحويلها الى اراضى زراعية وتربية الماشية وصنع الاثاث.
ومن لا يدرك أهمية الاشجار وعدم ازالة الغابات فان الاشجار والغابات تقوم بامتصاص غاز ثانى اكسيد الكربون من الجو وانتاج الاكسجين اثناء عملية التمثيل الضوئى كما ان جذورها تعمل على رفع مستوى المياه الجوفية وأيضا فى تقليل من حرارة الاماكن المتواجدة فيها.
اما مشكلة الانبعاث الحرارى فتكمن بصورة مباشرة فى غازات الاحترار (وهى الغازات التى ترفع حرارة الجو بمعدل أعلى من الطبيعى) وخاصة ثانى اكسيد الكربونCO2 حيث ينبعث بكميات لا يمكن استيعابها وتؤدى الى انعدام التوازن البيئى ويؤدى بنا نحو أزمة الإحتباس الحرارى وأثارها المدمرة كأرتفاع درجات الحرارة والتى ينتج عنها ذوبان الجليد وارتفاع مستويات سطح البحار.
الأمر جد خطير .. فلا يمكن ان نتخيل ان هناك كثير من المدن الساحلية مهددة بالأختفاء جراء ذوبان الجليد والامر ليس خيالا والاثر موجود ويمكن ان يصل لذروته خلال من 50-80 عاما وممكن ان يشهده احفادنا اذا استمر الحال على ما هو عليه وذلك بسبب التغيرات المناخية ونتيجة الاحتباس الحرارى...حيث تزحف مياه البحر نتيجة ذوبان مياه القطبين لتقضى على كثير من المدن الساحلية التى ستغمرها تماما، ويعتبر هذا اسوأ السيناريوهات حيث يختفى معه ايضا الكثير من المنتجات الزراعية والحيوانية.
ليس الاحتباس الحرارى هو القاتل المتسلسل الحقيقى ولكنها يد الدول الصناعية الكبرى التى صنعته والتى لا تلتزم بإجراءات حماية المناخ العالمى وهذا القاتل للأسف نسمع خطواته تدق ناقوس الخطر ونحسه بقوة يقترب منا متسارعا كل يوم خطوة وبدلا من أن نواجهه ونوقف زحفه ...نبقى على ما نحن عليه... تتصارع الدول الكبرى فى نهضتهم الصناعية وفى حروبهم من اجل السيطرة والهيمنة وتضيع الدول النامية بين رحى صراعات الدول الصناعية التى تضرب عرض الحائط بكل القرارات والاقتراحات ...فكيف يحدث هذا الامر وما هى اسبابه ونتائجه وهل هناك امل لعدم انقراض الحياة فى بعض الاماكن وغمر المياه على بعض الاماكن واختفائها تماما من على وجه الارض؟
لقد بزغ فجر يوم 12ديسمبر 2015؛ببارقة أمل حيث يعتبر يوما تاريخيا فى مكافحة تغير المناخ وذلك بعد توقيع اتفاقية باريس كأول اتفاقية عالمية ملزمة قانونا بخفض الانبعاثات .. ولأبقاء معدل ارتفاع الحرارة دون الدرجتين المأويتين مقارنة بما قبل العصر الصناعى الذى اساء لكل شىء على هذا الكوكب النادر.
الا ان تخلى الدول الصناعية عن التزاماتها مثل الولايات المتحدة (مسؤلة عن 18% من ملوثات العالم والصين مسؤلة عن 30% من ملوثات العالم نتيجة استخدام الفحم كمصدر رئيسى للطاقة وانجلترا التى استخدمت الفحم وابرمت حديثا 100 اتفاقية للبحث عن البترول فى بحر الشمال وغيرهم من اللذين يستخدمون الفحم كمصدر للطاقة واستمرار الأنشاطة اليومية المؤذية للانسان جعلت الاحتباس الحرارى يستمر بالتلويح بقتل الحياة على سطح الأرض مدفوعا بغازات تعد السلاح القاتل وعلى رأسها ثانى اكسيد الكربون CO2 كأكثر الغازات المسببة للاحتباس الحرارى كونه مسؤلا عن 65% من الاحترار الناجم عن الغازات الدفيئة، لكنه ليس الوحيد ... فهناك أيضًا غاز الميثان وغاز اكسيد النيتروز.
وحيث انه فى الوقت الذى تركز فيه الجهود الدولية للتخلص من ثانى اكسيد الكربون الا ان هناك غازى الميثان واكسيد النيتروز وهم اقل من ثانى اكسيد الكربون الا ان تأثيرهم اكبر بكثير فى الاحترار العالمى.
حيث ان طاقة التسخين لتلك الغازات اعلى ب 265 مرة من ثانى اكسيد الكربون كما ان تركيز هذه الغازات فى الجو فى تزايد مستمر حيث ارتفع معدل تركيزهم بنسبة 26% لغاز الميثان و 23% لاكسيد النيتروز قياسا بحقبة ما قبل الثورة الصناعية.
وفى سبيل اصلاح ما احدثناه من ضرر واستعادة التوازن البيئى والمناخى على وجه الخصوص ... لابد لدول العالم ان تلتزم بخفض انبعاثاتها الكربونية الاحترارية من الغلاف الجوى قبل فوات الاوان وفى هذا السياق تعهدت بعض الدول وعلى سبيل المثال الامارات ومصر باستثمارات لتحقيق الحياد المناخى بحلول 2030 .
ويجب على كل الدول وخاصة الصناعية الكبرى الاستثمار فى مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة كمحطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتطويرتقنيات التقاط الكربون وتخزينه بأمان تحت الارض من المصادر الكبيرة كمحطات الطاقة بدلا من انبعاثه فى الغلاف الجوى.
لقد ركز "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" التي استضافته المملكة المتحدة في جلاسكو على تعهدات الدول لتجنب تغير المناخ الكارثي؛ ولكن "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022"(COP 27) الذى تستضيفه مصرسيكون حول جمع السيولة اللازمة حتى تتمكّن الدول النامية من القيام بدورها. فالدول النامية ومتوسطة الدخل التزمت بتعزيز تعهداتهما بشأن المناخ بموجب "اتفاقية باريس"، ولكنها تبحث عن حزم مالية من الدول الغنية تسمح لهم بالابتعاد عن الفحم ومنع التلوث وتعوضهم عما يعانوه من مشاكل تغير المناخ.
ان مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 لا يعنى الاضمحلال الاقتصادى للدول ووقف النهضة والانشطة الصناعية ولكن يهدف الى خلق توازن بين الانشطة الصناعية وحماية البيئة ووقف الانبعاثات المدمرة والا يكون هناك تعارض بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.
أنَّ ميثاق جلاسكو قد وضع مواعيد نهائية جديدة يجب الوفاء بها حول خفض الانبعاثات، وكان سيتعين على البلدان الغنية تحديد هدف المساهمات المالية لما بعد عام 2025 ، التي تستحقها الدول الفقيرة نتيجة الأضرار التي لحقت بها بالفعل، وهي مهمة أخرى ما تزال دون حل بعد سنوات من المحادثات فهل هناك امل فى تنفيذ هذه الالتزامات.
وللاسف بعد ان تم تحديد حزمة من القرارات والالتزامات لانهاء استخدام الفحم جاءت نهاية مؤتمر جلاسكو؛ ضاربة بامال الكثيرين بتلك الالتزامات عرض الحائط وخلق شعور بالإحباط نتيجة تخفيف الالتزام العالمي بإنهاء استخدام الفحم، كما فشلت البلدان المتقدمة في الوفاء بوعدها بجمع 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية ولتحسين المناخ. وفي النهاية، قد أبقت سلسلة من التعهدات على فرصة الحفاظ على الاحترار عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. اى بمعنى كانت قرارت مائعة غير مجدية.
وكانت هناك رؤية تتمثل فى أنَّ التركيز على مساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار تغير المناخ أكثر أهمية من الضغط عليها لخفض الانبعاثات بشكل أسرع ...بمعنى ان هذه الدول يجب ان تتعايش مع الظروف المناخية الجديدة. ولاتأمل من الدول الكبرى خفض الانبعاثات وتقليل الانشطة الكارثية وهذا احباط أخر...انها معادلة غير ناجحة وغير منصفة لكى تظل الدول الكبرى تتصارع من اجل نهضتها الصناعية ويعانى الباقون من كوارث اعمالهم.
ومن الجدير بالذكر ...فأنه حتى الآن، الدولة الوحيدة التي وعدت علناً بتحديث تعهدها بموجب "اتفاقية باريس" هي مصر. ومن المتوقَّع أن يسلط الضوء على الدول الأفريقية التي تعد أقل المساهمين في ظاهرة الاحتباس الحراري، لكنَّها تشعر بعواقبها بشكل حاد.حيث يعاني القرن الأفريقي، الذي يضم إثيوبيا وكينيا وأجزاء من الصومال، حالياً من أشد حالات الجفاف التي شهدها منذ 40 عاماً، والتي أودت بحياة أكثر من 1.5 مليون رأس من الماشية. كما ان هناك الفيضانات فى اندونيسيا واماكن كثيرة فى العالم بالأضافة الى حرائق الغابات وجفاف النهار فى اوروبا وارتفاع درجات الحرارة الى مستويات قياسية فى المملكة المتحدة وغرب اوروبا .
• وعلى الرغم من أن الانبعاثات التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6% وافربقيا لا تزيد عن 3% من اجمالي انبعاثات العالم فان مصر تعد واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات خطورة مثل غرق السواحل والدلتا والاثار السلبية على الزراعة والموارد المائية والصحة والسكان والبنية الأساسية، وهو ما يؤدي الى إضافة تحدي جديد إلى مجموعة التحديات التي تواجهها مصر في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
• ان مصر مع الالتزام بتعهداتها قد قامت بمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة من خلال مشروعات الطاقة الشمسية واستغلال طاقة الرياح وانشاء مدن صديقة للبيئة وانشاء القطار السريع والقطار الكهربائى لتكون بمثابة خطوة ايجابية فى تقليل الانبعاثات الحرارية.
• إن وجود مؤتمر المناخ 2022 على أرض مصرية يصنع بارقة امل للعالم ولمصر والدول الافريقية للخروج من هذه المعضلة وهو سيغير بلا محالة من الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن تلعبه مصر في قضية التغير المناخي ليس فقط على مستوى التفاوض أو ما يهم الدول العربية والافريقية والبلدان النامية، ولكن على مستوى الشراكات من خلال فتح شراكات للاستثمارات الجديدة ، وبدء التفكير بقوة في الوظائف الخضراء التي يكمن تحققها، ونقل التكنولوجيا وكيفية توطينها للاجيال القادمة، وأخيراً تحقيق المصالحة التاريخية بين البيئة والتنمية على الاراضى المصرية .