12:11 pm 26/05/2022
| متابعات
| 1721
انقضت «كورونا».. وآن الأوان لتعود الحياة لسيرتها الأولى، فلا حاجة للتباعد الاجتماعى أو العمل عن بعد. فوفقا للمؤشرات الظاهرة حتى الآن، زال الخطر، وباتت مقرات العمل فى انتظار عودة موظفيها، لكن هل يعودون فعلا؟.
الدراسات والمسوح العالمية تؤكد تحقق نبوءة الخبراء خلال الأشهر الأولى لتفشى الوباء، التى توقعت أن شكل العمل سيكون من ضمن التغيرات التى ستخلفها فينا «كورونا» للأبد. ففى واحد من أكثر الشعوب اشتهارا بحبه وتقديسه العمل، يرفض 19 موظفا ألمانيا من بين كل 20 العودة مرة أخرى لممارسة مهام العمل اليومية من مقرات العمل المعتادة، مادام أنه من الممكن إنجاز المهام نفسها من المنزل.
النتائج جاءت ضمن دراسة دولية واسعة لسوق العمل شملت 44 دولة، أجرتها شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» للخدمات المهنية، ونشرت نتائجها صحيفة «دى فيلت» الألمانية، التى أكدت أن 5% فقط من العاملين فى ألمانيا على استعداد للعودة كليا للعمل من مكاتبهم التقليدية، كما كان الحال قبل كورونا، فيما ترفض النسبة الباقية، والتى تمثل 95%، ذلك.
وأشارت الدراسة، التى حملت اسم «آمال ومخاوف 2022»، إلى أن تلك النسبة موزعة بين من يرفضون نهائيا القبول بالذهاب للعمل، مفضلين العمل بشكل أوحد من المنزل، وهم 35%، فيما أبدى آخرون استعدادهم للقبول بالخروج للعمل ليوم واحد على الأكثر خلال الأسبوع، وهم 32%، أما النسبة الباقية، 28%، فاعتبرت أنه من الممكن تقسيم الأسبوع بين العمل من المنزل والعمل من المكتب، فيما يعرف بنظام العمل الهجين.
الأسباب التى ساقها كل هؤلاء لتبرير رفضهم العودة إلى العمل بمفهومه التقليدى هو أنه هدر بلا معنى للطاقة والوقت وبشكل يومى، فضلا عن أنه يستدعى تكبد تكاليف إضافية من أجل الانتقال، ويستنزف موارد الوقود، التى باتت تعانى شحا بالفعل ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية، فيما يمكن تخطى كل ذلك وإنجاز المهام نفسها من المنزل دون أى قصور يذكر، كما حدث على مدار العامين الماضيين.
المفاجئ أن مؤشرات ألمانيا تأتى فى الوقت الذى يتراجع فيه معدل إمكانية إنجاز العمل من المنزل فى البلاد، مقارنة بغيره من المعدلات العالمية، حيث أقر 44% فقط من الألمان، الذين شملتهم الدراسة التى أجريت على 2138 شخصا، أنه بإمكانهم إنجاز عملهم عن بعد، فيما يرتفع المعدل العالمى إلى 54%. ولا يعد ذلك التحدى الوحيد أمام التوجه العالمى الجديد للعمل، فأصحاب العمل أنفسهم يخشون أيضا تأثير ذلك على قدرتهم فى توجيه موظفيهم وبناء علاقات جيدة ومستدامة مع عملائهم، مؤكدين أن العمل عن بعد ينتقص بشكل عام من إحساس الموظف بالانتماء لشركته. فى الوقت نفسه، لفتت الدراسة إلى ذلك العجز العالمى المتصاعد فى العمالة الماهرة، الذى تصل نسبته حول العالم لنحو 29%، ويرتفع فى ألمانيا إلى 31%. ووفقا لصحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» الألمانية، شهد سوق العمل الألمانى خلال أبريل الماضى وحده غيابا للعمالة الماهرة من نحو 320 ألف وظيفة بالقطاعات العلمية والفنية بالبلاد، وهو أكثر من ضعف الرقم الذى سجلته البلاد العام الماضى. كما يعتقد نحو 44% من أصحاب العمل فى ألمانيا أن شركاتهم لا تعمل بكامل كفاءتها بسبب غياب العمالة الماهرة من سوق العمل. ذلك العجز كان يحاول أصحاب العمل دوما تعويضه بتوفير برامج تدريب متخصصة لموظفيهم خلال ساعات العمل، إلا أن ذلك بات مهددا الآن مع رفض الغالبية العودة.
ولعل ذلك الهاجس الأبرز الذى عبر عنه الموظفون صراحة فى دراسة «برايس ووترهاوس كوبرز»، حيث أظهر 30% منهم تخوفهم من عدم تلقى تدريبات «وقائية» فى المستقبل، تؤدى إلى استبدال فى المدى القريب، ثلاث سنوات على الأكثر، التكنولوجيا الحديثة بهم. كما أكدت نفسها ذاتها بين الموظفين الألمان أن لديهم فرصا ضئيلة جدا للتعلم من زملائهم الأكثر مهارة من الناحية الفنية خلال العمل، لذا تعد مثل تلك التدريبات البديل الآمن للحصول على المهارات اللازمة لسير العمل.