12:16 pm 24/11/2021
| رأي
| 3150
قرار في منتهي الصعوبة ان تقرر ان تتخلي وبكامل ارادتك عن وعيك وتقرر ان تخوض جراحة تحت تأثير مخدر عام ، قرار تراجعت عن اتخاذه كثيراً في اللحظات الأخيرة حينما كنت أُخَيّر في ذلك، نعم انها المرة الأولي التي اتخذ فيها القرار ، فقد خضت تلك التجربة ولكنها كانت عنوه ودون إختياري ولظروف طارئة لا تستطيع ان تتخذ فيها قراراً بالرفض.
تحدد يوم اجراء الجراحة وبدأ العد التنازلي وشعور غريب ينتابك بتوديع من تحب وتتسارع إلي رأسك الذكريات، تحاول ان تملأ فراغ الأيام بكثير من العبث وإيهام نفسك انك غير مبال ولست خائف أو متوتر ولكن الحقيقة ان بداخلك طفل مذعور ينزوي وحيداً في ركن الغرفة قبل ان ينهار باكياً، كل ذلك تواريه في الخلفية السوداء التي لا يعلم عنها أحد، يوقظك منبه الهاتف لتنتفض جالساً في مكانك لقد حان الوقت، تغتسل وتردد الشهادة سراً فلا تعلم هل هذا اغتسالاً ام غسلاً وتخرج لتصلي ركعاتك لعلها تكن اخر اعمالك الي الله وتودع فلذه كبدك وتتأمل ملامحه التي تشعر انك تحفرها بعقلك….. ما هذا هل سأنسي ملامح من أحبهم اذا رحلت عن هذا العالم ؟ كفي تماسك وكفاك عبثاً.
تصل للمستشفي مبكراً وتنهي الاجراءات سريعاً وتدخل غرفتك ويتبادل الاطباء في تجهيزك من قياسٍ للضغط ورسم قلب والحرارة والاكسجين …. يراودني رغبة في ان تُنبئ اي من تلك القياسات عن إلغاء الجراحة او تأجيلها لكن وعلي عكس ما تتمني تنتهي جميعها ويأتي اليك احد افراد الفريق الطبي برداء العمليات لقد حانت الساعة وليتها تكون ساعة الجراحة فقط وليست ساعتي، تتمد علي سرير الجراحة وتنظر لمن حولك ويالها من زاوية مختلفة لرؤية من حولك وتبدا في التحرك او بالأحري هم من يحركوك تودع زوجتك التي رافقتك هذا اليوم وان تجاهد لتبقي مبتسماً - لعلها النظرة الأخيرة - فلنجعلها ابتسامة، وتجد نفسك يتم تداولك من شخص لأخر فأحدهم صاحبك من غرفتك حتي المصعد واخر تسلمك من المصعد حتي غرفة العمليات لتستلمك رئيسة تمريض العمليات، بشوشة الوجه كبيرة السن تألف وجهها فملامحها تشبه ملامح وجه أمي التي لم أقو علي مصارحتها بخوض الجراحة خوفاً عليها واخبرتها أمس بأني ذاهب للمستشفي غداً لاجراء فحوصات وتحاليل، تسألك الممرضة عن اسمك وتجيبها لترد عليك انت علي اسم ابني ولا اعلم هل هذه حقيقة اما انها تحاول ان تهدئ من توتري، وتتحرك بي لداخل عالم غرفة العمليات وأجد ان خلف الباب الذي عبرته عالم كبير وانتقل لسرير او ترولي مختلف ليتحرك بي لغرفة اخري اكثر بروده ثم الي غرفة أخيره وهي المنشوده والأكثر بروده وتظهر طبيبة التخدير وتبدأ في عملها . وجوه كثيرة من حولي … ما هذا اين طبيبي الذي اعرفه الذي ائتمنه علي حياتي اخيرا يظهر ليلقي علي التحية اخيرا وجدت من اعرفه وجهه البشوش ونبرة صوته الهادئة تزيل الكثير من خوفي.
طبيبة التخدير تثبت الكانيولا لتبدأ اجراءات التخدير المتتابعة وأشعر اني في حلم ينتابني فيه شعور قوي بالوجود، شعور حقيقي إلى أقصى مدى، أكثر التجارب واقعيةً في حياتي، أشعر وكأن روحي تحلِّق مبتعدةً عن جسدي وتنظر إلى وجهي، يومض شريط ذكريات حياتي ماراً أمامي، أشعر بوخزة من الخوف والبروده، لكني بعدها اجتاز ذلك الخوف وصولاً لإحساس غريب من التسامي، يغمرني شعور بأني في النعيم. رغم أن التفكير في الموت يثير شعورًا بالخوف لدى الكثيرين، لكن في هذه اللحظة تظهر ذكرياتي لتومض أمام عيني، مع إحساس بمغادرة روحي لجسدي لأري وجهي وجسدي أمامي في مشهد غريب لم اعهده، واشعر بأني ابتعد في حبور باتجاه ضوء يلوح عند نهاية نفق، وأشعر "بالتوحد" مع شيء كوني عظيم.
في تلك اللحظة - ما هذا - لا استطيع التنفس انفي مغلق تماماً وفمي مجروح لحظة صعبة هي عودة الروح من جديد ، رغم الألم تبدأ التنفس من جديد، انها الحياة وما أثمنها من نعمة وربما عادت لتعطينا الفرصة لتصحيح أخطاء الماضي.