الكاتب : لوتس عبد الكريم |
08:55 am 22/09/2021
| رأي
| 2470
لم يكن فى الحسبان ما وجدت عليه مدينتى المحببة فرانكفورت، لقد فعلت المستحيل؛ لكى أنجز ما طُلب منى للاستعداد لهذا السفر الضرورى من أجل علاج عينىّ المتعبتين، فالنظر- عندى - هو أثمن ما يمتلك الإنسان، هو القراءة، وهو الكتابة، اللتان بهما أحيا وأستمتع.
فقد انتهيت قبل سفرى من التطعيم مرتين، حيث حصلت على لقاح فايزر- بيونتيك المضاد لكوفيد -19، وهو لقاح مأمون وفعال.
وكنت قد وصلت إلى مطار القاهرة فجرًا، فوجدت إجراءات مشددة لم أعتدها من قبل طوال أسفارى السابقة، على الرغم من أننى أحمل جواز سفر دبلوماسيا.
ذهبت إلى استراحة الدرجة الأولى، فإذا بى أراها خاوية خالية، لا أحد فيها، كأن لا أحد يسافر هذه الأيام. أمضيت وقتى قبل إقلاع الطائرة أفكر فى مصير المسافرين بعد جائحة فيروس كورونا، وكيف أن الأمور تغيرت، والأحوال تبدلت، وأنه لا يمكن استقبالك فى أى بلد، إن لم يكن معك شهادة تثبت تطعيمك ضد الفيروس اللعين.
ما إن جلست فى مقعدى بالطائرة المتجهة إلى فرانكفورت، حتى رحب بى المضيف، وقال لى إنه من الذين يتابعون كتاباتى، وهذا أمر يسعدنى، وأفرح به.
قطعت الرحلة، ولم أكن قد نمت ليلتى السابقة، وظللت مستيقظة طوال الليل، وأنا لا أعرف النوم فى الطائرات، مهما طالت الرحلة أو قصرت.
وصلت إلى مطار فرانكفورت الذى يعتبر ثانى أكبر مطار فى قارة أوروبا، حيث يشهد مرور أكثر من 55 مليون مسافر سنويا، وحوالى 480 ألف صعود وهبوط للطائرات كل عام. وهو مطار أليف لى من كثرة نزولى فيه، حيث كان لى بيت فى مدينة فرانكفورت، وأخى أسامة يعيش فى مدينة لا تبعد كثيرا عن فرانكفورت.
وجدت المطار مزدحما يعج بالمسافرين؛ فهو محور مهم لمن يرغب فى السفر إلى أى مكان فى العالم.
وأدهشنى البحث والتدقيق والتفتيش المبالغ فيه، والتلكؤ فى إنهاء الإجراءات، نظرا لصعوبة الأوضاع الصحية، فقد صار كل شىء استثنائيا، وبعد لأىٍ وتعب شديدين، خرجت من المطار إلى فرانكفورت، فإذا بالشوارع فارغة، والناس يسيرون فى توجس وصمت، مكممين، حذرين، كأن الفيروس يحلق فوق الرؤوس، ويمشى بين الناس فى الشوارع مخرجا لسانه لكل الإجراءات القاسية والاحترازات. على العكس تماما من سلوك الناس فى مصر، فلا أحد يشعر بشىء، أهو الجهل أم عدم التوعية أم البلادة واللامبالاة؟.
فرانكفورت التى تقع فى وسط غرب ألمانيا على ضفاف نهر الماين فى ولاية هسن، والتى تعد العاصمة الاقتصادية لألمانيا؛ بسبب وجود مقار العديد من الشركات والبنوك وبورصة فرانكفورت ومقر البنك المركزى الأوروبى، بالإضافة إلى المعارض الكثيرة التى تقام فيها سنويا. فهى مدينة بلغ عدد سكانها نحو المليون نسمة إلا قليلا.
كما أنها مسقط رأس شاعر أحبه، هو جوته (28 من أغسطس 1749 - 22 من مارس 1832)، الذى أتردد سنويا على الجامعة التى تحمل اسمه فى فرانكفورت. وعرفت بروز أهم التيارات الفلسفية فى القرن العشرين، الذى أطلق عليه مدرسة فرانكفورت، وهى حركة فلسفية نشأت بمدينة فرانكفورت سنة 1923، وقد أفرزت للعالم أشهر الفلاسفة والمنظرين، الذين كنت أدرس نظرياتهم ومنجزهم الفلسفة وأنا طالبة فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ومنهم: ماكس هوركهايمر، والتر بنجامين، وهيربرت ماركوز، ويورجن هابرماس، وهو الممثّل الأكثر شهرة للجيل الثانى لمدرسة فرانكفورت.
لدى مواعيد مع ثلاثة من أشهر أطباء العيون وأبرزهم فى ألمانيا والعالم، وهم: كوخ، كونن، جورج إيكرت، وأنا أحب عادة أن أستطلع أكثر من رأى طبى فيما يتعلق بأمر صحتى، فلا أحب أن أسمع صوتا واحدا فى تشخيص الحالة، وقد اعتدت ذلك منذ أن كنت أعيش فى لندن ومن بعدها فى طوكيو.
أصر كوخ أن يحادث طبيبى فى القاهرة الدكتور محمود سليمان الذى تربطه صداقة عمل به؛ كى يستكشف حالة عينىّ منه.
أما إيكر فهو أستاذ طبيبى الثانى فى القاهرة الدكتور إيهاب زقزوق، وهو أستاذ الشبكية بمعهد بحوث أمراض العيون، وزميل جراحات الشبكية والجسم الزجاجى جامعة هامبورج- ألمانيا، وزميل جراحات تصحيح الإبصار جامعة زيورخ- سويسرا.
وإذا كانت العين هى عضو الإبصار للإنسان، فهى يَنْبُوعُ ماء الروح الذى به نحيا. ومن غير نورها تظلم الدنيا، ولا يكون هناك طعم لشىء