06:46 pm 19/09/2021
| رأي
| 2524
اتذكرك جيدا ايها الفتي ..انت من سقط في بئر يوسف وكنت تنتظر قافله العزيز لالتقاطك من سحيق الالم والمعاناه.
وكان اعتقادي جازما بما عرفته من سجايا خواطرك انك من فتيان العزيز دون ان تشعر .
هاتفت قدرتك علي تخطي ماتشعر به نفسك من الم . ولكن يبدو انك مازالت تخطو في طريق طويل من المعاناه.
هي الحياه دون شك .. وجميعنا نخبرها جيدا . ولكن ان نتخذ من الجنون نعمه من نعمها فهذا منعطف خاطف لافكارك التي تسطع دائما كبرق خاطف اعتدته منك متخطيا ما تخطه برتابه في صفحات و تاريخ ايامك .
ولكن لماذا تأبي الا ان تخط هذه الصفحات من عمرك المشحون بالافكار والمعاناه والخبرات وعلاقات البشر والامل ايضا بمداد الضيق والتمرد .
الا تعرف كم عاني البشر علي مر العصور ..الم تري مأسي الحروب منذ فجر البشريه . الم تقرأ عن قصص انسانيه لا يمكن لخيال كاتب ان ينسج احداثها . الم تري رسل ربك ومعاناتهم مع اقوام صدأت منهم القلوب قبل العقول .
اطرق علي ابواب عقلك وقلبك .. وهي كما اعهدها لم يصبها الصدأ ولكن يعلوها غلاله من رماد الحياه.
واحذر يافتي من ان تتخذ لنفسك حكمه ذاتها غادره وتنجو بها الي طريق النعم. فلم يكن جدار الحكمه ابدا وليد مشاعر متوهجه او صعوبات اوجبتها سنه الله في خلقه وكونه.
هذا الجدار ارتفع بنيانه من تراكم عقول واجساد من البشر ممتد يضرب بجذوره في حضاره الانسان مذ اوجده الله عليها .
وزهور الحكمة ومخازن جواهرها الكامنه في هذا الجدار حفظها الزمن و البشر جيلا بعد جيل وامه تلو امه.
جواهر كريمه وزهور عبقه تجدها بأقوال سيد الحكماء الامام علي ابن ابي طالب ..ان له في كل موقف حكمه استندت علي ايمان وقوه وتجرد يصعب ان يتكرر .
ابحث وتعجب من عدالة عمر التي اصبحت ضرعا متدفقا للحكمه لحياتنا اليوميه !! وهل بعد العداله شئ.
الم تقرأ لحكماء الحضاره اليونانيه والرومانيه وحتي الاغريقيه وفلاسفتها العظام .
يابني الحكمه هي دهور اختطلت بألوان البشر ونوائبهم وقوانينهم ما بين عدل وظلم .. مابين وفاء وغدر ما بين وعد وخلف.. انصهرت جميعها في مزيج متدفق لا تستطيع تحديد لون له ولا قوام وانما هو يجري في عقولنا وافعالنا و لا اغلو فقد اختلط بلحمنا وعظامنا ايضا فهو كمجري الروح بلا توقف وتوجته مخافه الله علي الرأس منه.
اعلم تماما تمردك يوم سقوطك في بئر يوسف ونجاتك منه وانت مازلت تضرب في الارض . واعلم ان قناعتك بحكمة الجنون هي نوع من انواع التمرد ولكن اياك بأن تتخذه شرعه ومنهاجا .. فجنون الفكر والعواطف شعور جميل يعود بالانسان لجذوه المراهقه الجميله واحلامها الناعمه .. وهي منشوده للهروب من قسوه الواقع وماديته المتوحشه .
اما تزيين الجنوح لمراتع النسور. والدخول في عرين الجوارح فهو جنون الهلاك. !!
ليس لطائر دقيق زهي الالوان يرفرف بجناحين يغطيان جسده الرقيق . ينقر من زهره لاخري . يصدح تاره وينوح تاره اخري . يستقي معاني الادب والنقاء منها و تحيطه انواء الحياه العاتيه ان يطير لمراتع النسور ليعلمها كيف تصدح !!. اليس هذا شق من الجنون الذي لا حكمه فيه ولا رويه تنتفي به قدسيه نعمه العقل والادراك وبات ذلك كفر بها . فلا انت سلمت ولاصدحت لك الجوارح ما حييت .
نعم .. النسور غادره قاتله ولك منها العف والكره ولكن ليس لك عليها من سبيل وقدره و لن تأكل من فتات صيدها ابدا .
ثم .. هل لك ان تصبر ... اذا فلتعلم ان النسور تشيخ .. وتموت في فضاءها الممتد الذي ملئته حواما صيدا وقتلا وافتراسا علي مد عمرها لتستقر جيفه في حفره لا تتجاوز مساحه كفك ..
هل اكتفيت ..
تجاوز ايها الفتي دون دنيه وستجد في حياتك اكثر مما كتبت ووصفت . فالبشر فيهم من روح خالقهم فهو مبدعون مؤمنون صابرون عاملون وايضا قاتلون . فاذا كانت الذات الالهيه كل يوم في شأن فكذلك البشر ايضا وهم خليقته.
فلا تطاوع ماتملي عليه نفسك فالنفس اماره. ولكن تعلم من حكمه الايام واقوال الحكماء ولا تغادر بستانك. وستعجب من تصاريف القدر .
واياك اياك من تغيير وتبديل النعمه ..