تعد صدمة الإصابة من أهم وأخطر المراحل التي يجب أن نتخطاها سريعاً، لنؤهل أنفسنا للدخول لمرحلة العزل، وهي المرحلة الأصعب لأهميتها في تحديد شكل التعامل مع فيروس كورونا ومن سيكون له الغلبة والسيطرة، فهل سأستطيع ترويض هذا الوحش الفتاك رغم صغره المتناهي؟ أم سيتحكم بجسدي ويفتك بأعضائي كما يشاء.
بعد صدمتنا أنا وزوجتي من إصابتنا بالفيروس بداية من تجربة العطر ونهايةً بالقهوة، توجهنا سويًا صباح اليوم التالي لمعمل التحاليل لإجراء المسحة والتحاليل الطبية اللازمة، وكانت زوجتي متلهفة اكتر للتعرف علي النتيجة لذا إختارت عمل مسحة سريعة COVID AG ، بالرغم من أننا قمت منذ الأمس بشراء أدوية البروتوكول العلاجي وتناولنا الجرعات الأولي من المضاد الحيوي والمسكنات والفيتامينات، فقد قررنا ان نهاجم ذلك الفيروس اللعين قبل انا يبدأ هو في مهاجمتنا.
دخلنا المعمل ملثمان بالكمامات ويملأونا التردد فسنصرح بأننا قد نكون مصابين أمام الجميع لذا تعمدنا أن نذهب في الساعات الأولي قبل ان يكتظ المعمل بالمرضي، وطلبت إجراء التحاليل من الموظف المختص ولكن لماذا صوتي منخفض في طلب التحاليل ما كل هذا الخجل والخوف؟ انا سأجري تحاليل فيروس كورونا بعد إصابة الملايين به وليس فيروس الإيدز عفانا الله.
اخبرنا موظف الاستقبال ان المسحة السريعة الخاصة بزوجتي ستظهر خلال نصف ساعة ويمكننا الانتظار او سيقومون بالاتصال بنا لتبليغنا بالنتيجة، وبالطبع لم نستطيع الانتظار، فكأنه أعطانا إفراج لمدة نصف ساعة.
فرحة طفولية عجيبة بأن أمامنا نصف ساعة من الحرية قبل أن نصبح مكبلين بأصفاد ستقيد حريتنا لمدة ١٤ يوماً علي الأقل، خرجنا من المعمل وبدأنا جولتنا بالسيارة آملين أن لايدق جرس الهاتف ليعلن بدأ العزل، ومن مبدأ الحرص لم نترجل من السيارة خوفاً من مخالطة أحد، لنستمر هائمين بالسيارة التي تحولت في لحظة لطائرة تشق عنان السماء وسفينة مبحرة في النصف الآخر من الكرة الارضية وفجاة يوقظنا نفير الهاتف وما أصعبه معلناً نهاية جولتنا الحرة وبداية الجولة الأولي في الصراع مع الفيروس.

استجمعنا قوانا وعدنا للمنزل وما أثقلها من عودة وقامنا بتطهير كل الأشياء والأماكن التي استخدمناها بالكلور والماء، وأخضعنا أنفسنا للعزل المنزلي واستخدمنا كافة الأدوية وفقا للبروتوكول الذي أقره صديقي العزيز الدكتور محمد ماهر - مدير عام الشئون الطبية بشركتي - الذي أوصانا بتناولت الخضراوات والفاكهة والإلتزام بالطعام الصحي، ولكن بدأت أعراض كورونا تشتد علينا بعد يومين بداية من الإتزان، والإحساس بالتوهان وانخفاض التركيز والسعال الذي بدأ يزداد تدريجيا مع حدوث ضيق التنفس واضطرابات في نبضات القلب كل ذلك كان مصحوباً بارتفاع في درجة الحرارة التي وصلت في كثير من الأحيان إلى 40 درجة والتي استمرت لمدة خمسة أيام لدرجة امتناعي عن قياس درجة الحرارة، حتى أتجنب ما يحدث لي من ذعر وحتى لا تتأثر حالتي النفسية، ومن خلال متابعة الطبيب لحالتي عبر التليفون نصحنا بتناول أدوية موسعة للشعب الهوائية ومذيب وطارد للبلغم بالاضافة لدواء للحساسية كمحاولة للسيطرة علي الحرارة وتثبيط الجهاز المناعي وزيادة جرعة الأدوية المخفضة للحرارة التي بدأت في الاستجابة بعد مرور ٥ أيام والتي انتهت نهائيا بعد ٧ أيام من العزل المنزلي .مع استمرار حالة عدم الاتزان وعدم التركيز والاجهاد العام ولكن بشكل أقل حدة، مع كل تلك الأعراض والآلام فقد كان الأصعب علي وعلي زوجتي هو ان نهاتف والدتينا للعديد من المرات وبشكل طبيعي دون أن تظهر في أصواتنا علامات المرض، نطمئن عليهم ونتعرف علي حالتهم الصحية بشكل غير مباشر وهل ظهرت عليهم اي اعراض للعدوى، وننهي المكالمات يومياً ونحن نحمد الله علي عدم إصابتهم واستقرار حالتهم الصحية أدام الله في اعمارهم ورزقهم الصحة والعافية.
تجربة من أصعب التجارب الحياتية التي قابلتني ونعمة من الله أني لم أخوضها منفرداً وحيداً بالمستشفي أو بغرفة عزل بالمنزل بل خضناها سوياً انا وزوجتي، نعم كنا في أشد الحاجة للعون والرعاية في بداية الإصابة لكن ما حدث من تبادل الدعم النفسي ومحاولة كل منا أن يظهر قوياً أمام الآخر ليشد من آزره، كان له عظيم الأثر في عبورنا سوياً لبر الأمان، وعودتنا سالمين لأبنائنا، ولا أنسى الدعم النفسي من زملائي في العمل الذين لمَسْت مشاعرهم النبيلة من خلال مكالماتهم المستمرة للإطمئنان علي وعرض المساعدة والتحفيز علي التعافي، وأعتقد أني من خلال تلك التجربة أعدت التعرف عليهم من جديد، وأدعو الله أن يحفظهم جميعاً وأن يَمِن عليهم بالصحة دائمًا.