06:48 am 02/08/2021
| رأي
| 2721
الإصابة بكورونا ليست سهلة فهي تجربة مريرة نخوضها بين الحياة والموت، ووراء كل حالة قصة، وخلف كل إصابة تجربة، تستحق التوقف عند تفاصيلها ودراسة نتائجها….
هل سنصبح من الناجين من المعركة؟ الذين سيرون فيما بعد تفاصيل ساعات العسر ولحظات الضيق ورحلة العلاج حتى العودة إلى الحياة الطبيعية…..
أم ولا قدر الله سينتهي بنا المآل وسيتوقف قطار العمر عند هذا المنحي ولن يتبقي سوي مشهد الموت.
يبدأ المرض اللعين بالإنكار فتستيقظ صباحاً وانت لا تدري كيف مرت بك ساعات الليل فلم تستطيع النوم من الأرق والألم والصداع، وبالرغم من كل تلك الاعراض، لن تحرك شيء سوي الإنكار المشوب بالقلق، وسترفض كل هذا القلق وتردد بداخلك : ما انا فيه بسبب التكييف في الليلة الماضية فقد احسست بالبرد والقشعريرة خلال ساعات الليل ولم اقم بتعديل درجة الحرارة، وكان يومي أمس طويل ومرهق وقد استمر لقرابة الخمس عشرة ساعة خارج المنزل لقضاء مستلزمات العيد وكذلك هدية عيد ميلاد ابنتي.…
يتعالى صوت الإنكار مردداً : أستيقظ ايها الكسول وأنهض من سريرك فاليوم وقفة عيد الأضحي وهو يوم طويل لايقبل التراخي والكسل، وكذلك الأهل لن يقبلوا الأعذار أو الاعتذار عن التواجد وسيبدأ اليوم قبل آذان المغرب بدعوة علي الإفطار عند والدة زوجتي ثم الانتقال لمنزل والدتي وسهرة وقفة العيد مع أخوتي وعائلاتهم حتي الساعات الأولي للصباح وأداء صلاة العيد، ليبدأ المارثون السنوي لطقوس الذبح وما يستتبعه من تكسير لعظامنا نحن قبل تكسير عظام الأضحية!
اذاً لتنهي حوارك الغير مُجْدي مع نفسك وتتحرك لحمامك الساخن ولتنتظر بفارغ الصبر أقراص المسكن وفنجان القهوة بعد آذان المغرب وسيكون كل شيءٍ بخير، الأهم ان يتحرك اليوم وينتهي بسعادة الجميع، فلا وقت للتفكير فيما أشعر به من تعب، وكم أتمني ان يصل غداً لنهايته بسرعة…. بسرعة جداً….. قبل ان أنهار .
ويمضي يوم الإنكار الاول بساعاته البطيئة الثقيلة لأصل لنهايته بجسد منهك، لاتستطيع ان تتبين موضع الألم به من كثرة الآلام التي تعاني منها لتستيقظ بعد ساعات علي آلام المعدة وإحساس القيء لتتبين انك بالفعل لست علي مايرام، لكن لاوقت للفرار -الأضحية من أمامنا والهواجس من خلفي- إذا فهي الحرب، ويبدأ يوم الإنكار الثاني لينتهي مع انتصاف شمس نهار اليوم الأول للعيد، تلك الشمس التي تستشعر سخونتها في كل أوصالك فتقرر بعد ان تفشل حتي في بلع لقيمات الغذاء، ان ترحل وتُنهي ما انت فيه من معاناه وتحمد الله انك استطعت إنهاء اليوم حتي وان كان مبكراً عن ما هو متبع، وتترك أبنائك لاستكمال أيام العيد مع أقاربك، علي موعد بعودتك لتصطحبهم غداً او بعد غد، بعد تحسن حالتك، وتهرع لتلقي بالمتبقي من جسدك المتهالك علي سريرك معتقداً انك ستنام بعمق بسبب تعبك، لكنك لاتعلم انك علي موعد مع أغرب وأصعب وأطول ليلة ستقابلها في حياتك، استيقاظ مع كل حركة، ألم في عينيك وصداع غريب أثناء النوم، تستيقظ والألم يعتصر كل عضلاتك، ومغص ينهش امعائك، واحساس بان جسدك يحترق من الداخل.
لتستيقظ وقد قررت ان تتخلي عن ذلك الإنكار الغير مُجْدي و تبدأ مرحلة استنتاج انك قد تكون مصاب بالفيروس اللعين، تلك اللحظة التي تعد هي الأصعب في التقبل والإدراك، حيث تتوقف الحياة كثيراً عند تلك اللحظة ولا تستطيع جمع شتات نفسك، وتجد انك لاتفكر الا فيمن حولك، كيف تسلل هذا الفيروس الي جسدي؟ متي؟ واين؟ ومن خالطت خلال الأيام الماضية؟ تفكر في والدتك ووالدة زوجتك وكل كبار السن الذين قد تكون سبباً مباشراً في تعرضهم للعدوى، تساؤلات ومحاولات متكررة لاستيعاب صدمة الإصابة حيث كنت تعتقد ان إصابتك بكورونا بعيدة؛ حيث إنك لم تهمل في إتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية وتنفيذها بشكل حرفي لحمايه نفسك وحماية أسرتك وكل المحيطين؛ وهنا تظهر الأفكار السيئة تراودنا بعد الإصابه بالفيروس بدءاً من القلق والخوف على مستقبل ذوينا، وهل ستكون إجراءات العزل المنزلي كافية أم سأحتاج لمستشفى عزل، وما هو مصير أسرتي إذا تطور الأمر للحجز في المستشفى والدخول إلى العناية المركزة ومن بعدها الموت…. ولكن قرار التمسك بما قدره الله، وبإجراءات العزل المنزلي حرفياً هو الذي يجب ان يسيطر عليك وتتمسك بتلك الصورة الإيجابية؛ وهو أنك قادر على هزيمة الفيروس، في محاولة لتطمئن نفسك حتى لاتصل لدرجة الهلع والفزع فالخوف أمر طبيعي ولكن حاول السيطرة عليه حتى لايؤثر على حالتك النفسية ومناعتك الجسمانية .
مع كل تلك الهواجس وكوابيس اليقظة التي تعيشها هذا الصباح، يأتي التأكيد عندما تمسك زوجتك بزجاجة العطر التي اعتادت استخدامها يومياً لتتفاجئ بأنها لا تشم رائحته بشكل جيد ؛ ويساورها القلق وتصبح في صراع لاستبعاد فكرة انكم تعرضتم سوياً للإصابه بفيروس كورونا فهي لم يظهر عليها اي اعراض حتي الآن ؛وتكرر استخدام العطر عدة مرات ولكن دون جدوى؛ كانها تريد أن تثبت لنفسها أنها ليست من ضحايا كورونا وعقلها يرفض الإصابة ؛ لتأتي إليك وتسألك هل هناك شيء غريب في هذا العطر؟ لتعطيها أسوء إجابة تنتظرها منك؛ اي عطر …..؟! لحظات من الصمت تفرض نفسها وكأنها دهر ليقطع هذا الصمت محاولة جديدة من التأكد، تتجهان سريعاً للمطبخ بحثاً عن البن ليكون هو الفيصل، لتجتمع كل الدلائل وتتبخر كل الحجج ونتأكد او بالأحرى نعترف بالإصابة بفيروس كورونا فلا طعم ولا رائحة للبن -مجرد مسحوق ناعم- واستسلمنا للأمر الواقع وقررنا الذهاب فوراً لاجراء التحاليل الطبية، والبدء في رحلة العزل سوياً -نعم سوياً- ما هذا ؟ وما تلك الضربة القاضية التي نتلقاها معاً؟ عزل وسوياً …… هل سيكون مجهودًا مضاعفًا لن نستطيع تحمله؟ أن ستكون نعمة من الله فلم يكن أي منا سيستطيع تحمل وحدته……..
وللحديث بقيه ان شاء الله.